
فم المريض الذي ملأته الدمامل وبنت عليه الفطريات،
الذي يفتحه الآن وهو يظن أنه أمام طبيب
فيما يقعد أمام رحالة يعرف أجناس الإبل..
هو (البوادي) مقعية على أربع أسفل شارع (الثمانين) ..
هو ذاته الفم الذي تصطف في حنكيه بيوت متوالية
يتوسطها لسان أسود ينـز منه الماء الآسن،
هو ذاته الفم الذي يضحك ويمتلئ بالحكايا والشعوذات
التي لن تصل لعابر انفتح أمامه، لبرهة، شق الباب الأزرق
فولجه
كما ولج مصريون بملابس مرحة ووجوه ملطخة بالإسمنت مرتين (منتصف السبعينات وبداية التسعينات)
ولجه أفغانٌ بأرجل مقطوعة وعمائم لشجيرات بيضاء مقلوبة وعبروه وهم يجسون الشوارع
قبل أن يتحول الأوزبك لتجارة السجاد وآخرون بموازاتهم تحولوا إسكافيين.
ولجه يمنيون بأصوات حادة ونسوة وأطفال
ثم عبروه جميعاً
قبل أن يعود الرجال منفردين لطلاء الجدران الحديثة.
ولجه أريتري واحد هو وأطفاله الذين غبطناهم حينما عبر أبوهم محمولاً في نعش وصاروا أول أيتام الحارة.
ولجه صوماليون سمعنا أصواتهم خلفه حين كانوا يسددون بنادقهم في لفائف نقدية تشارك في الاقتتال..
ولجه تشاديون لم يخرجوا إلا في أوقات الصلاة
فيما شغلت تجارة الصحن رؤوس نسوتهم بشغف
وتفرق أبناءهم بيننا وبين بطون السيارات.
ولج منجمون وسحرة يربطون الأزواج ويعيدون الأشياء المسروقة إلى أصحابها بأمانة.
ولج برماويون لم يصبحوا أبناء بلد لفارق التوقيت
وانطلقوا منه بمطارق ومقصات..
الباب
الباب الأزرق
عبره باكستانيون بلا اكتراث ومضوا
بوجوه متجهمة تعالج الحديد والكهرباء
بينما تعثر أبناءهم عراة قبل معاودة اللعب..
ولجه بنغاليون واجتمعوا خلفه
حول جهاز (استيريو) جديد..
الباب
الباب الأزرق الجاهز والمستعد كل لحظة
الذي كان يبيعه محل على شارع (الستين)
واشترى منه كل القاطنين أبوابهم
تكفينا هذه السنوات لنحكم على نزاهته..
على أنه خفيف حقاً ومصنوع بإحكام
أما فم المريض فلم يوجد له بعد ما يمكننا الوثوق فيه
كباب مناسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق