الخميس، 30 أكتوبر 2008

ما أستحقه




أستحق الشجرة التي تحترق فيما أظل نائماً تحت ظلها، أستحق الطعنة وهي تأتي من الأمام، من أعلى، جهة القلب، أستحق الصحراء ففيها ما يشبه الاكتشاف.. وبشيء من الأدبية: الصورة المكتملة لسحر الضياع.
أستحق المقهى الذي يجاورني فيه متحدثو (البال توك) الضاحكين، كما أستحق أغنية (أسقنيها) تماماً.
أستحق الأصدقاء وهم يذهبون مرة أخرى كما اعتدت، ال( كرسيدا-94 ) ذات العينين المفقودتين والإشارات الحميمة، أستحق الجار وحكاياته التي لا تملك نهاية جيدة على الدوام، الطرقات التي لا أتحقق منها ويأخذني لها الحنين أو الألم أو البحث عن أي منهما.
أستحق الضجر وهو يسخر مني بحنو كأخ كبير، أستحق أن أفكر بجدية في الحياة (وهي تمضي حولنا أنا وبدر لنفاجأ بال38) وفي أنها تشبه العمل بالضبط. كما تستحقني تلك الجثث التي تتدلى من أحلامي، أستحق الأرق والرمضاء السعيدة ،أستحق ما يمكن دائماً .أستحق الكتاب الذي يخيب أملي فيه والكتابة التي لا تعني أحداً.
أستحق المجاملة العادية التي أعامل بها نفسي، التأني الذي يأخذني إلى الممرات المتشابكة كلها دون أن أدخل باباً .أستحق ألا توجد ضرورة تدفعني لحكايات تهب الأمل، أستحق ألا أنظر أبداً .أستحق الفقدان .

الخميس، 16 أكتوبر 2008

edge of arabia

المعرض التشكيلي الذي يفتتح اليوم في لندن يقدم حياة وفن 17 فناناً معاصراً من السعودية، ورغم أن تقديم (حياة) الفنان هو بحث لا علاقة كبيرة للفن به، فهو يرضي تلك الطموحات الاستشراقية القديمة ويداعب غرائز السياسي والراهن. فالقراءة الأمثل والأكثر إنسانية لأي فن هي قراءته المجردة وبأدوات الفن، عبره، بواسطته. أظن أن المحمول الفني الذي سيقدمه المعرض كفيل بتحقيق إمكانية قراءة خطاب الفن مستقلاً عن اي خطابات تالية أو سابقة له.. أما الحياة وتفاصيل اليومي وبشائر التغيير ( وهذا الأمر بالذات يدفعني للضحك) فكل هذه الحوارات يمكن أن تجد مكاناص آخر عدا أن يموهها الفن فهي ليست بحاجة للتمويه، وليس الفن مجرد رداء ملون يستخدم عند الحاجة.

الصديق مهدي الجريبي الذي يتواجد في لندن حالياً قد يعود يوم السبت كما يقول ( الحياة غالية جداً هنا..والجماعة تكفلوا فقط بالسكن :) )، أما أيمن يسري فهو لم يغادر بعد (لم تنجز معاملة الفيزا)، فيما تشتكي إحدى الفنانات ( طيب..من سيدفع تذكرة أخي الذي سيرافقني )..
لماذا أكتب عن شروط العرض التي يتلقاها الجانب الإنساني من الفنانين خلال هذا المعرض بداية؟... لأن عرض الحياة هو أحد أجزاء المشروع :).
في استعرض الفنانين المشاركين بالمعرض يمككنا أن نشير لتنوع المعرض وقدرته على إضافة أسماء جديدة غير واضحة ضمن المشهد المحلي (وهذا رائع جداً)..فنانان ك( لولوه الحمود- منال الضويان- مها الملوح) كانت أسماؤهن ترد علي للمرة الأولى، وقد ينطبق ذات الأمر على فنانة لم تعرض سابقاً ك(نهى الشريف) التي رأيت أعمالها مصادفة في جدة. تنوع المعرض يشمل اختياراته أيضا فهو يتسع للأعمال الفنية الحديثة والتصوير الفوتوغرافي وينفتح حتى يتمكن من استيعاب عدد من نتاجات الفنانين الملونين ( بعض هذه النتاجات لا تنسجم وبقية العرض وربما يتساءل المشاهد عن قيم المشروع من خلال عرض بعض أعماله الأقل قيمة ). ورغم أن غالبية الفنانين المشاركين لم يغامروا بتقديم مشاريع جديدة في معرض جماعي فإن هذا لا يقلل من أهمية تجمع يضم مشاريع فنية كالتي يشتغل عليها مهدي الجريبي-فيصل السمرة- أيمن يسري- شادية عالم- يوسف جاها- عبدالناصر غارم- أحمد عسيري...فهي مشاريع جديرة بالقراءة داخل بحثها الفني الذي تطرحه وخارج كل حيوات أخرى (حسبما أرى).
لزيارة موقع المعرض
http://www.edgeofarabia.com/
,ولدخول العرض مباشرة
http://www.edgeofarabia.com/exhibition/index.html

الخميس، 2 أكتوبر 2008

وله




· أَقْصِدُ حِيْنَ أَقُوْلُ لَها: الصَفْحَةَ الْمُقابِلَةَ
أَنَّنِي أَنْتَظِرُهَا فِيْ الشارِعِ الْمُقابِلِ
وَقَدْ تَعَثَّرْتُ فِيْ اسْمِهَا مِرَاراً.
أَقْصِدُ ذَلِكَ وَهِيَ التِيْ تَطْوِيْ صَفَحَاتِيْ بِعِنايَةٍ دُوْنَ أَنْ تُبْدِلَ شَيْئاً...
سِوَى ما يَرْتَبِكُ بَيْنَ أَصابِعِها
حِيْنَ يَقْتَرِحُها كِتابِيَ تَفْسِيْراً وَحِيْداً.
· ....بِالْوَلَهِ الذِيْ يُفَكِّكُ كَلِمَاتِي عَرَفْتُكِ
وَبِمِشْيَتِكِ وَأَنْتِ خارِجَةً مَعَ بَنَاتِ (الْكُلِّيَّةِ)
تُحاذِيْنَ فِيْ الظَهِيْرَةِ حَفِيْفَ الأَمَلِ،
تَأْخُذِيْنَنِي.


· يَقْصِدُ الْوَلَهَ الذِيْ جَعَلَ لِلشَجَرَةِ كُلَّ هَذِهِ الْفُرُوْعِ.
حِيْنَ يَراها احْتِمالاتٍ يَصْعَدُ أَخْضَرُهَا إلَى حَرَائِقَ تُشْبِهُكِ.
وَأَنْتِ...
أَنْتِ تَجْعَلِيْنَهُ لِسانَ الشَمْعَةِ الذِيْ يَقُصُّ لِلْهَواءِ...
الْوَلَهَ.
يَقُصُّهُ أَشْرِطَةً مُلَوَّنَةً وَرُوْحاً.
الرُّوْحُ التِيْ تَلْهُوْ مَعَ قَنّاصٍ كُنْيَتُهُ الزَّمَنُ
اقْتَنَصَتْ رِيْشَها مِنْهُ.
مِنَ الْوَلَهِ – وَلَهَهُ.
رَقَصَتْ مِنْ وَلَهِكِ.
لَكِ
كانَتْ تَنْزِعُ وَتُنْتَزَعْ.
· هُوَ: الْوَلَهُ الذِيْ قَفَزَ مِنْ عَيْنَيَّ شَيْطَاناً عارِياً وَاسْتَنَدَ عَلَى كَتِفِيْ
فِيْ وُقُوْفِيَ
بِانْتِظَارِ
صَوْتِكِ.

الْوَلَهُ
يَصْعَدُ وَلا يَتَسَرَّبُ،
يَمْلأُ الصَدْرَ بِالأَقْمارِ السَّاخِنَةِ وَلا يَذُوْبُ.

· وَلَهُكِ .. أَنْتِ هَذَا.

· فِيْ صَمْتِكِ غُرْفَتانِ وَمُوْسِيْقَى،
فِيْ كَلِماتِكِ...
كَلِماتُكِ.
..بِلا أبْوابَ أَوْ مَساكِنَ لَكِنَها تَتَّسِعُ لاحْتِضانٍ مَدِيْدٍ.
تَحْتَضِنِيْنَنِي مَعَ طُيُوْرٍ وَنَخِيْلٍ.. فَأَنامُ.
..أَنامُ فِيْ كَلِماتِكِ التِيْ بِلا أَبْوابٍ أَوْ مَساكِنَ.




· حُضُوْرُكِ شَوْقٌ أَبْيَضُ
وَلَيْسَ غِيابُكِ ما يَشْحَذُ الْوَلَهَ..
حُضُوْرُكِ يُسْتَصْرِخْه كَذَلِكَ.

· وَأَنْتَ ...
أَيُّهَا الْغَرِيْبُ الذِيْ يَسْقِيْ بِحَنانٍ هَذِه النَباتاتِ ..
يُعالِجُها بِيَدَيْهِ فِيْ مُسْتَشْفَى يَؤُمُّهُ مَجْذُوْبُوْنَ وَحَكِيْماتٌ وَمَلاكٌ واحِدٌ.
أَنْتَ مَنْ يُسَمِّيْ النَباتاتِ بِأَسْماءِ حَبِيْباتٍ هَجَرْنَهُ وَأَطْفالٍ يَنْتَظِرُوْنَ..
الذِيْ يَسْقِيْ الْلَيْمُوْنَ بِعَيْنَيْنِ مُغْمَضَتَيْنِ وَتَجْعَلُهُ (الْفُلَّةُ) الصَغِيْرَةُ يابِساً..

أَنْتَ بِالثَّوْبِ الأَبْيَضِ وَالشَعْرِ الذِيْ لَمْ يُشَذَّبْ
وَقَدْ انْحَنَيْتَ عَلَى
(غارْدِيِنْيَِا) أَدْهَشَكَ ثَرَاؤُهَا..
أَنْتَ
وَقَدْ فَضَحَكَ الْوَلَهُ فِيْ سُؤَالٍ عَابِرٍ:
مَا الَّذِيْ جَاءَ بِكَ هُنَا؟
أَنْتَ
وَقَدْ أَكَلَ الذِّئْبُ رَأْسَكَ
لَمْ تُخْبِرْهُمْ أَنْ لَمْ يَتَبَقَ سِوَى قَدَمَيْنِ تَبِعَتا دَبِيْبَ الْوَلَهِ لِتَكْتَمِلا.



· أُرِيْدُكِ شَجَرَةَ الْمَاءِ التِيْ بِلا جُذُوْرٍ،
َثَمَرَةُ الْوَلَهِ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ آلافَ السَّنَواتِ فِيْ نَبْضِي..
أُرِيْدُ جَسَدَكِ وَيَدَيْكِ، حُزْنَكِ وَمائِدَتَكِ..
أُرِيْدُ فَمَكِ وَخُطَواتَكِ التِيْ تَقْرَعُ الْمَمَرَّاتِ وَتَسْتَيْقِظُ مِنْها جَماداتِيَ.


· كُنْ حَادّاً لِتَسْلُبَ الْمَزِيْدَ،
غامِراً لأَغْرَقَ،
قاحِلاً لِيَنْبُتَ الْماءُ.



· إِيْهِ أَيُّهَا الْوَلَهُ
....
...
....
....
لا تَنْضُجْ.






كرسي الساعة 11- مقهى (رينديفو)




صَوْتُكِ يَأْتِيْ.
يَقْتَرِبُ وَيَعْبَثُ فِي مِياهٍ لا تَنْتَهِي.
صَوْتُكِ النّاحِلُ، الْعَمِيْقُ، الذِيْ لا يَتَرَدَدُ:
يَنْغَرِسُ بِثَباتٍ كَنَبَاتٍ صَحْرَاوِيّ.
ما يَقُوْلُهُ لَيْسَ مُهِماً.. النَّبْرَةُ تَكْفِي:
الاتِساعُ الذِيْ يَجْمَعُ النُّجُوْمَ، الْحَصَى، الأَرَقَ، الْبَساتِيْنَ، مُلُوْحَةَ الْبَحْرِ.
لا يَقُوْلُ شَيْئاً لَكْنَّهُ يَنْغَرِسُ فِيْ الْعُمْقِ، يَدْفَعُ بِالأَنْسِجَةِ الرَقِيْقَةِ وَيَنْغَرِزُ.
أَكْتُبُ عَنْ صَوْتِكِ بِهَذِه الطَرِيْقَةِ
لأَنْ لَيْسَ هُنالِكَ الْكَثِيْرُ غَيْرُ مُوْسِيْقَى ضَاجَّةٍ فِيْ مَقْهَى السَّاعَةِ 11.
******
لَوْ أَنْصَتُّ لَكِ.
لِوُعُوْدِكِ التِيْ مَا قُلْتِ
لَوْ لَمِسْتُ ظِلالَكِ،
الرَذاذَ الذِيْ يَصِلُنِيْ مِنْ كَلِماتِكِ،
الْجُغْرافِيا الدَقِيْقَةُ التِيْ تَرْسُمِيْنَ خَرائِطَها عَلَى أَثِيْرٍ دَافِئ.
لَوْ انْدَفَعْتُ وَقَبَضْتُ عَلَى قَوْسِ قُزَحٍ
حِيْنَ تَقُوْلِيْنَ (الْخُبْزَ) أَوْ (الْوَرْدَةَ) مَثَلاً..
كُلُّ هَذا يَفُوْتُنِي كُلَّ مَرَّةٍ تَتَرَقْرَقِيْنَ فِيْها،
لأَنَ الْفَجْأَةَ تَأْخُذُنِيْ دَائِماً
حِيْنَ تَتَنَكَّرُ فِيْ صَوْتِكِ النَّحِيْلِ وَهْوَ يَنْدَفِعُ،
لا يَتَسَلَلُ وَلا يَبْتَكِرُ حِيَلاً
يَنْغَرِسُ بِثَباتٍ كَعَصا فِيْ كَثِيْب.
*******
سَعَفُ النَخْلَةِ يَرْقُصُ بِلا اكْتِراثٍ فِيْ ظَهِيْرَةِ الشارِعِ،
الْعَلَمُ يَنْتَصِبُ بِخُيِلاءٍ تَدْعُوْ لِلضَحِكِ،
عامِلُ الْبِناء فِيْ (السَطْحِ) وَهْوَ يَدْعَكُ أَيَّامَهُ أَمامَ الْمَلأ،
حارِسُ الْبَوَّابَةِ حِيْنَ تَحْشُو الرَتَابَةُ جَوارِبَهُ وَقَمِيْصَهُ،
السَيَّاراتُ الْعابِرَةُ بِلا أَمَلٍ،
الطُيُوْرُ وَالشَّجَرُ الْمُهَذَّبُ تَتَواجَدُ لإكْمالِ الْمَشْهَدِ.
اخْتارِيْ واحِدَاً مِنْ هَذِه السُّطُوْرِ لِيُعَبِّرَ عَنِّي.. اللَحْظَةُ.
حَيْثُ تَبْتَعِدِيْنَ
وَلا يَقْتَرِبُ مِنِّي سِوَى هَذَا السَأَمُ
بِأَصْواتٍ عالِيَةٍ جِدَّاً
بِمُوْسِيْقَى ضاجَّةٍ تَصِلُنِي كَحِرابٍ لَمْ تَخْتَرْ طَرِيْدَتَهَا.


ليس من رسائل جديدة



لَيْسَ مِنْ رَسائِلَ جَدِيْدَةٍ وَلَيْسَ مِنْ نَدَمٍ.
أَيُّها الْعابِرُ تَمَهَّلْ، أَيُّها الطِّفْلُ الذِيْ يُحُبُ مُشَاهَدَةَ أَفْلامِ السِيْنِمَا،
أَيُّهَا الشَّجَرُ الذِيْ لا يَكُفُ عَنْ الصُعُوْدِ..
تَمَهَّلْ..
الْحُبُ تَتَوَسَّدُ شَمْسُهُ الشاحِبَةُ قَلَقَ الْمَوْجِ،
الأَسْماكُ تُهَرِّبُ أَرْوَاحَهَا إلَى مَكَانٍ آخَرَ،
الْقارِبُ الذِيْ يَقُوْدُهُ ساعِدٌ نَحِيْلٌ
لا يَعِدُ بِمَشاهِدَ كَبِيْرَةٍ.
**********
ماذَا بَقِيَ وَماذَا تَبَخَّرَ؟
ماذَا اخْتَفَى فِيْ السَّرادِيْبِ الْعَمِيْقَةِ التِيْ تَحِيْكُ فِيْها أَفْكارَكَ
كَثِيابٍ لا تُناسِبُ الْقِياسَ أَبَداًً.

**********
هَذا النَّهارُ الْحارُّ يَجْعَلُ كُلَّ شَيءٍ يَنِزُّ عَرَقاً:
الْحَوائِطُ، الْعَرَباتُ، أَجْهِزَةُ التِلِفِزْيُوْن وَجِلْدُ جَبْهَتِي.
النَّهارُ الْفاتِرُ الذِيْ تَتَتابَعُ ساعاتُهُ بِشَغَفٍ لا يُفَسَّرُ.
كَيْفَ لَكَ أَنْ تُحَدِّثَهُ عَنْها وَتَقُوْلُ لَهُ بِبَساطَةٍ:
انْسَلَخْتُ مِنْها فَجْأَةً
لأَنَّ صَوْتَهَا بَدَا بَارِداً.
*************
الْوَرْدُ وَالأُغْنِياتُ، الْكَلِماتُ التِيْ كانَتْ تَأْتِيْ عَلَى شَفَتَيْكَ بِلا تَقَصُّدٍ
أَيْنَ ذَهَبَتْ؟

هاأَنْتَ تَعُوْدُ إِلَى أَوْراقِكَ
بَعْدَمَا انْفَجَرَتْ آخِرُ فُقَّاعاتِ الْهَواءِ
وَخَمَدَتْ فِيْ فُتُوْرِ الطِيْنِ وَقَساوَةِ الْقاعِ.
وَلِتَخْتَبِرَ مَدَى الْهُّوَةِ الْعَمِيْقَةِ التِيْ تَفْصِلُكَ
عَنْ مَنابِتِ الْمَاءِ
تَرْمِيْ حَجَراً
وَآخَرَ
..لا يَصِلُكَ صَوْتُ الارْتِطامِ الْبَعِيْدِ
وَلا يَعُوْدُ صَوْتُكَ.

الأربعاء، 1 أكتوبر 2008

وأنت تسيرين





الأقْواسُ، الْقِبابُ، الدَّوائِرُ، الْخُيُوْطُ النَّحِيْلَةُ، الثَّلْمَاتُ، الْجَداوِلُ، الْقَمَرُ،

الْخُلْجَانُ، الْبُحَيْرَاتُ، الْجَناحَانِ، الْلَيْلُ، الْمُوْسِيْقَى،
الْفَجْرُ الذَّيْ يَتَسَلْلُ، الشَّفَقُ الذَّيْ يَنُوْحُ،
الضَّوْعُ، الضَّوْءُ، الْحَرِيْرُ، التَّمَوْجُ، الرَّمادِيُّ،
الْبَهْجَةُ.


اكْتَشَفْناها بِمُراقَبَتِكِ وَأَنْتِ تَسِيْرِيْنْ.

كي تكون في مجال النظر



النَّخْلَةُ مِنْ أَجْلِكِ تَتَنَفَّسُ هَواءَ الأَعالِيَ
كَيْ تَكُوْنَ فِيْ مَجالِ النَّظَرْ.
الطُيُوْرُ تُحَلِّقُ كَيْ تَسْنَحَ لالْتِفَاتَتكِ،
الشُّرُفاتُ ابْتَكَرَتْها اللَهْفَةُ،
الشَّبابِيْكُ اسْمٌ مِنْ أَسْماءِ الشَّوْقِ،
السَّماءُ تَكُوْنُ صافِيَةً لأنَ الأَزْرَقَ يُرِيْدُ أَنْ يَلْتَحِفَكِ،
الشَّمْسُ لا تُفارِقُ سَماءَنا لأَنَها تَعْبِيْرٌ أَكِيْدٌ عَنِ الدَّهْشَةِ،
النُّسُوْرُ تَقْلِيْدٌ لانْحِناءَةِ حاجِبَيْكِ،
الصَّحْراءُ الْكَثِيْفَةُ كَلِماتٌ لَمْ تَكْتَمِلْ
وَهِيَ تُحاوِلُ
وَصْفَكِ،

الطُرُقاتُ: ليَحُفَّكِ حِيْنَ تَسِيْريْنَ النّاسُ،
والْمُدُنُ فَكَّرَ بِها قائِدٌ قَدِيْمٌ كانَ يَتَساءَلُ:
هَلْ يَنْبُتُ الْبَشَرُ؟


الْمَطَرُ نَزَلَ بِكِ إلَى الأَرْضِ.
هَبَطْتِ قَطْرَةً
وَمَشَيْتِ بَيْنَنَا.



الذي يجعلك كذلك


أَلِيْفَةٌ إِلَى حَدِ أَنَّنِيْ أَبْدُوْ قَبِيْحاً أَمامَكِ، أَحْرِصُ أَحْيَاناً عَلَى ذَلِك.
أَلِيْفَةٌ إِلَى حَدٍ يُجاوُزُ الزِّنْجِّيَّ الَّذِيْ يَسْكُنُنِيْ.
أَلِيْفَةٌ إِلَى سَوادِي، إِلَى الْقِيْعانِ وَالْمَهاوِي
أَلِيْفَةٌ إِلَى حَدِ أَنَّنِي أَكُونُ وَحْدِيْ مَعَكِ.
هَلْ أَنْتِ الشَّفّافَةُ.. تُحِيْطِيْنَ بِيْ
أَمْ الداكِنَةُ الْفَسِيْحَةُ حَيْثُ أَغُوْصُ وَلا أَرْتَفِعُ أَبَداً
هَلْ أَنا ضَوْءٌ أَمْ حَجَرٌ؟
هَلْ هُناكَ أَنْتِ، هَلْ تَبَقَّى مِنِّي شَيءٌ؟
هَلْ وُجِدْتِ؟

يا أمي ياحبيبتي وأخاديدي


يَا أُمِي:
أَتْلَفَنِيَ الْلَيْلُ وَأَفْسَدَتْنِيْ أُذُنِي،
الْهَواءُ صَنَعَ أَخادِيْدَهُ،
الأصْدِقاءُ سِخِرُوْا مِنْ حَدائِقِيْ الطِيْنِيَّةَ وَمَزَقُوْهَا
لَمْ يَعُدْ فِيَّ ما يُحَدِقْ.
هاتي كَفَّيْكِ لأضَعَ بِها أَيَّامِيَ حَفْنَةَ رَمْلٍ
هاتي أَيَّامِي...
هاتي كَفَّيْكِ وَأَعِدُكِ بَأَنِّيْ سَأَكُوْنُ أَمِيْنَاً وَسَأَضَعُ بِهَا أَيَّامِي:
الرِّيْشُ وَالْجُذُوْرُ وَالصَدَأُ وَالدَّمُ
كُلُ شَيءٍ سَيَكُوْنُ كَحَفْنَةِ رَمْلٍ نَنْفُخُهَا
نَنْفُخُها مَعاً.
هَاتِيهَا.

وهجكِ...


آخُذُ دَقَائِقَكِ الذَّهَبِيَّةَ الرَّقِيْقَةَ وَأَنْدَسُّ فِيْها،
أَخْتَبِئُ وَأَمَّحِي، أَتِيْهُ.
شَوارِعُكِ النّاحِلَةُ يَمْلَؤُهَا الشَجَرُ،
بِحارُكِ الصَّغِيْرَةُ وَأَسْماكُكِ الْمُلَوَّنَةُ تَتَقافَزُ فِيْ صَدْرِي.
مُدُنٌ مِنَ الْحَلْوَى، مِنَ الثَلْجِ، مِنْ أَعْشابٍ تَطْفَحُ إلَى قَدَمَيّ.
امْرَأَةٌ تَأْخُذُنِيْ إِلَى حِجْرِهَا وَتَحُزُّ عُنُقِيَ
فَأَبْتَسِمُ وَدَمِيْ يَشْخَبُ عَلَى الرَّصِيْفِ،
أَبْتَسِمُ وَعَيْنَيَّ تَتَسَمَّرانِ،
أَبْتَسِمُ وَفَمِيْ نِصْفُ مَفْتُوْحٍ.
....
......
.................
...
كُلُّ هَذَا فِيْ دَقِيْقَةٍ صَغِيْرَةٍ الْتَقَطْتُها مِنْكِ،
مِنْ هَالَةٍ شاسِعَةٍ تُحَلِّقُ حَوْلَ كَلِمَاتِكِ
وَتَنْفَجِرُ فِيْ صَدْرِي.
كُلُّ هَذا فِيْ الْبُرْهَةِ
فَوْقَ سَطْحِ كَوبِ الْمَاءِ الَّذِيْ تَشْرَبِيْنَ مِنْهُ
وَأَشْرَبُ بَعْدَكِ:
تَتَرَقْرَقِيْنَ
وَلا يَنْطَفِئُ جَحِيْمِي.
...........
...........
دَقائِقُكِ الذَّهَبِيَّةُ أَنْتَزِعُهَا كَما أَنْتَزِعُ سِنّاً
أَوْ أُقَشِّرُ ثَمَرَةَ (مانْجُو)،
أَحْتَطِبُ أَصابِعِي
أَوْ أَفُضُ غِلافَ رِسالَةٍ تَسْكُنُهَا آلافُ الطُيُوْرِ.

جملة واحدة هي كل ما لدي



حَيْثُمَا تَذْهَبُ عَيْناكِ،
حَيْثُمَا تَتَوقَفُ.
حَيْثُما تَجِسُّ وَتَتَحَسَسُ، تُفَتِشُ..
حَيْثُما تَرْشُشِيْنَ ضَوْعَهُمَا عَلَى سَأَمِ الْعالَمِ
حَيْثُما تُرْسِلِيْنَ نِداءَهُمَا الْخَفِيْفَ...
عَلَى الْجَماداتِ وَمَناظِرِ الطَبِيْعَةِ الصّامِتَةِ
عَلَى قَلَقِ التَجْرِيْدِ وَبَذاءَةِ الْوَحْشِيَّةِ
حَيْثُما تَتَوَقَفُ مَوْجَةٌ وَحِيْدَةٌ لا شَبِيْهَ لَها
لِبُرْهَةٍ.
الْبُرْهَةُ تَكْفِيْ لِلانْخِطافِ،
لِلَّحْظَةِ الْمَدِيْدَةِ الَّتِي أُوْلَدُ فِيْها وَأَشِبُّ وَأَشِيْخُ وَأُدْفَنُ.

قصيدة حب




وُلِدْتُ مِنْ عَيْنَيْكِ.
شَفَتاكِ نَفَخَتا الرَّمادَ
وأَصابِعُكِ لَمْلَمَتْ حَصَاي.

دقائق الرسالة وأجنحتها




لَحْظَتُهَا وَنَحْنُ نَدْفَعُ أَقْلامَنَا بِخِفَّةٍ في الْوَرَقَةِ كَي نَلِجَهَا، وَلَجْنَا الْجَنَّةَ.. وَاسْتَنْشَقْنَا شَجَرَها مَعاً.
هُوَ الْشَّجَرُ الْذِي نَمُرُّ عَلَيْهِ الآنَ وَنُداعِبُهُ كَذِكْرَى بِمِيَاهِنَا الْمَيْتَةِ،
هُوَ ذاتُهُ الْذِّيْ يَطْفُرُ أَحْيانَاً مِنْ عُيُوْنِنا،
مِنْ عُيُوْنِ كائِنَاتٍ وَلَجَتْ ذاتَ الْجَنَّةِ وَنَظَرَتْ ذاتَ الْجِهَةِ.
حَيْثُ (الْوَاوْ) حُضْنُ شَخْصٍ ثالِثٍ،
الْنُّقْطَةُ كَوْكَبٌ تَشْمِلُهُ الْوَرَقَةُ
وَتَلْتَقِطْهُ ثَلاثُ أَصابِعَ.
أَمّا (الْمِيْمُ) فَهْوَ كَوْنٌ لَمَمْناهُ فِيْ أَحْضانِنا وَاخْتَبَأْنا بِهِ عَنْ الْعُيُوْنِ.
هِيَ رَسائِلُ مَنَحَتْنِيْ حَياةً شاسِعَةَ الْظِّلالِ فِيْ دَقائِقَ وَأَجْنِحَةٍ.

..الْلَحْظَةُ الَّتِيْ تَذَوَّقْنَا تُرَابَهَا وَأَجْنِحَتَهَا
وَالَّتِي مَلأَتْ عُيُوْنَنَا بِغُبارِ الْفِرْدَوْسِ
ما مِنْ سَبِيْلٍ إلى وَصْفِها.

صورة بحجم الكف


1- الظل على جفنيك:

ماء ضحلٌ
....يكفي كعلامة تحذير.



2- شجيرة كرز :

شجيرة الكرز ( التي مارأيت)
كفكِ
بأظافر ينبت فيها الأحمر.



3- جينـز:

حين ترتدينه يكون الجينز فصيلة أشجار.


4- شفتاكِ:

بابتسامتهما الخجلى،
باللون الحزين الذي ينام فوقهما
حكايتان طويلتان
لم أنته من قراءتهما منذ ذلك العام.



5- جينـز:

حقل تمارين الغيم،
الساحل الغامق،
الشجرة التي تثمر المحار والأسماك،
الشجرة التي ترتدين.

بعد 20 محاولة للقياس الدقيق

أُؤَجِلُ لِلْمَرَّةِ التالِيَةِ أَسْئِلَةً مِنْ نَوْعِ:
كَمْ جُرْعَةً تَلْزَمُنِيْ لأَمْتَلِئَ،
كَمْ جَنَّةً بَيْنَ يَدَيَّ،
كَمْ لَيْلَةً يُمْكِنُ أَنْ أَنَامَ دُوْنَ أَنْ يُوْقِظَنِيْ سَرَطَانُهَا الأَخْضَرُ وَالْمَلِيءُ بِالسُّكَّرِ.
كَمْ لَيْلَةً يُمْكِنُ أَنْ تَنْفَجِرَ كَلَيالٍ أُخْرَى لَمْ يَسْمَعْ بِها سِوَانا
وَنَحْنُ نَتَقَدَّمُ ضاحِكَيْنِ نَحْوَ صَباحٍ فِي مُنْتَصَفِ الْيَوْمِ.
كَمْ بَحْراً يُمْكِنُ أَنْ أَعْبُرَ دُوْنَ بَلْلٍ
وَكَمْ بَحْراً يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَقْرَقَ فِي عَيْنَيْكِ..؟
فِيْ عَيْنَيْكِ
وَنَحْنُ نُطِلُّ مَعاً، وَنَصِلُ سَوِيَّةً فِي ذاتِ الْمَشْهَدِ.

2

أُحُبُكِ لأَنَكِ لَسْتِ بِحاجِةٍ للاكْتِمالِ
مُكْتَمِلَةٌ كَما هِيَ طِفْلَةٌ.

3

إلامَ كُنْتِ تُحَدِّقِيْنَ،
لِمَ تَنْفَرِجُ شَفَتاكِ (شَاطِئُ النّارِ وَنافِذَةُ الذَّهَبِ)
نَحْوَ ماذا كُنْتِ تَسْرَحِيْنَ بِعَيْنَيْكِ؟ وَلِمَ..
لِتُلَوِّنِيْنَ الْهَواءَ
بَعْدَ أَنْ تُطْلِقَ الْجُدْرانُ تَنْهِيْدَةً حَبِيْسَةً وَسِرِّيَةً نَبْتَسِمُ مِنْها مَعاً.

4

لا.. لَنْ أَسْتَيْقِظَ.
لا أَرْغَبُ فِي عَمَلٍ وَأَصْدِقاءَ وَأَطْفالٍ،
لا أَرْغَبُ فِي الْمَشْي وَلا فِي قَدَمَيَّ.
الْحُلُمُ: قَارّاتٌ جَدِيْدَةٌ يَطْفُوْ جَلِيْدُها عَلَى وَرَقِ الأَطْلَسِ وَقَدْ أَطْفَأتُ مَفاتِيْحَهُ..
لا شَأنَ لِي بِالسَّفَرِ وَرَوائِحِ الشَّوارِعِ الْجَدِيْدَةِ.
الْعَتَبَةُ التِّيْ لا تَرَيْنَ عَلَى بابِ غُرْفَتِكِ،
الْحَجَرُ الْقَدِيْمُ الذِيْ لَمِسْتِهِ،
النُّقْطَةُ التِيْ وَضَعْتِها بِلا تَخْطِيْطٍ أَثْنَاءَ كِتابَتَكِ..
هَذِه النُّقْطَةُ التِي الْتَصَقَتْ بِكِ
كُنْتُهَا.
ثُمَّ.. حَدَثَ ما حَدَثَ كَما تَعْلَمِيْنَ.

أناة الخائف

أَخافُ أَسْئِلَتِي
وَأَخافُ ساقَيَّ.
فِي شُرُوْدِكِ أَخْشَى أَلا تَجِديْنِي.
أَخافُ خُرُوْجِيْ مِنْ خَواطِرِكِ الْمُتَشابِكَةِ دُوْنَ أَنْ أَجِدَ باباً لِلْعَوْدَةِ.
هَلْ تُنْصِتِيْنَ لِوَجِيْبِي الْخافِتُ؟
هَلْ تُنْصِتِيْنَ لَهُ وَهْوَ يُكَرِّرُ:
الطُيُوْرُ تُعِيْدُ نِدَاءاتَ الرَحِيْلِ،
الأَحْمَرُ الذِيْ يَهْتِفُ بِفَصاحَةٍ،
الأَسْوَدُ الْعَمِيْقُ وَهُوَ يَتَنَهَدُ بِوضُوْحٍ..
هَذَا ما يَجْعَلُ النَباتاتَ التِي تتَسَلَّقُ أَحْلامِيَ
تُصْبِحُ دِيْدانَاً صَغِيْرَةً تَلْتَهِمُنِي بِبُطٍء.
تُطَمْئِنِيْنَنِي: لا ضَرَرَ مِنْ طُفَيْلِيّاتٍ صَغِيْرَةٍ تَنْمُوْ عَلَى كَتِفِ مَوَاعِيْدِنا،
تَغْمُزِيْنَ الْجُمْلَةَ وَتَبْتَسِمِيْنَ..
أَبْتَسِمُ.
وَأَخَافُ.


أَخافُ صَوْتَكِ حِيْنَ يُفَتِتُ كَالْمَوْجِ صَلابَةَ الْيابِسَةِ ثُمَّ يَنْسَحِبُ،
...ماذَا يُرِيْدُ؟
لِمَ يُكَرِّرُ أُغْنِيَاتِهِ وَهَدْهَداتِهِ...


أَجْهَلُكِ
كَما تَجْهَلُ وَرَقَةٌ صَغِيْرَةٌ رَصِيْفاً تَحُطُّ بِهَا حِساباتُ الرِّيْحِ فَوْقَهُ
وَأَعْرِفُكِ كَما أَعْرِفُ يَوْماً مَضَى.
تَقُوْدُنِيْ إِلَيْكِ الْعَلامَاتُ
وَيَأْخُذُنِيْ مِنْكِ الدَلِيْلُ.



أَتِيْهُ..
لأنَنِي لا أَعْرِفُ طَرِيْقَةً لِلْمَشْي
وَلا أَرْغَبُ فِي تَعَلُّمِ ذَلِك َ.
فَرْعُ شَجَرَةٍ سَعِيْدٍ يَطْفُوْ عَلَى مُحِيْطٍ،
يَخافُ الْوُصُوْلَ
كَما أَخافُ أَسْئِلَتِيْ.

(2)

أَرَأَيْتِ...؟
ظَلَلْتُ أَدْفِنُ راحَتَيَّ فِي أَماكِنَ عَدِيْدَةٍ
لِتَجِدِيْها وَأَنْتِ تَعْبَثِيْنَ.

ظَلَلْتُ أُرَبِّيْ مَمِالِكَ الصَدَأ عَلَى جَسَدِيَ لِتَكْشُطِيْها
ظَلَلْتُ يابِساً كَيْلا يَنْفَدَ مِنِّي الْجَمْرُ فِيْ لَيْلٍ بارِدٍ
حِيْنَ نَكُوْنُ وَحِيْدَيْنِ.


أَرَأَيْتِنِي مُضْطَرِباً وَضائِعاً
مَخْزَنٌ تَتَراكَمُ فِيْهِ الْقِصَصُ وَالْقُصَاصَاتُ وَالأَشْيَاءُ التِي لا أَسْتَخْدِمُهَا

قَدْ تَسْأَلِيْنَ يَوْماً عَنْ: قارُوْرَةٍ قَدِيْمَةٍ
أَوْ رِسالَةٍ مِنْ سَطْرَيْنِ
سَتَكُوْنُ لَدَيَّ
كَما هِيَ كَلِماتُكِ وَآثارُ أَصابِعُكِ
كَما هُوَ عِطْرُكِ، غَضَبُكِ، حَنِيْنُكِ
سَأَمُكِ مِنِّي.
وَلأنِّيَ لا أَمْلِكُ مِمْحاةً تَمْنَحُنِي النِسْيانَ وَلا فَهارِسَ لِنَبْضٍ أَضْبِطَهُ عَلَى يَدَيْكِ
كُنْتُ أَقُوْلُ لَكِ:
الزَمَنُ كائِنٌ يَتَخَلَّقُ مِنْ أَطْيافِكِ،
الأَمْكِنَةُ لا تَكْتَرِثِيْ بِها
إنَّهَا حُجَجٌ وَاهِيَةٌ ألْتَقِيْكِ خِلالَهَا.

أناة الخائف التي لا تنكشف

أَخافُ أنْ تَسْهُمَ بَعِيْداً عَنِّيَ
أَخافُ أَنْ تَبْتَسِمَ فِي ذِهْنِها خَاطِرَةٌ مَسْمُوْمَةٌ،
أَخافُ أَنْ تَنْسَى
وَأَخافُ حَيَاتَهَا.

أَخافُ أَنْ تَخَافَ وَتَرْتَعِدَ وَهِيَ بَعِيْدَةٌ عَنِّيَ،
ألا أَجِدُهَا حِيْنَ أَبْحَثُ عَنْهَا وَهْيَ خائِفَةٌ،
أَنْ يَكُوْنَ الْخَوْفُ بِئْراً عَمِيْقَةً وَواسِعَةً نَتِيْهُ فِيْها،
أَخافُ أَنْ نَتَبادَلَ الأَمَاكِنَ دَوْمَاً فَلا نَلْتَقِي.
أَخافُ أَنْ نَكُوْنَ فِكْرَةً
أَخافُ أَنْ تَكُوْنَ فِكْرَةً.

أَخافُ أَنْ يَذْبُلَ عُشْبُهَا
أَخافُ أَنْ يُنَقِّطَ جِلْدِيَ الصَدَأُ وَأَكِلَّ.
أَخافُ الْهَواءَ الذِيْ يُحَرِّكُ شَعْرَها الطَوِيْلَ.. مَا الذِيْ يَقُوْلُ؟

... هَذِه السُطُوْرُ التِيْ تَرْتَعِدُ قُلْتُها لَها بِأَنَاةٍ وَاشْتِغالٍ
فَقَدْ خِفْتُ أَنْ أَكْتُبَ لَهَا بِانْكِشافٍ:
أَخَافُكِ كَأَبِي وَأَخْشَاكِ كَأُمِي.

الجمعة، 26 سبتمبر 2008

لمرة واحدة




بَعْدَ أَنْ أُوْصِيْهِ بِالْهُدُوْءِ وَأَنْ يُؤَدْي دَوْرَهُ بِإِتْقانٍ
كُنْتُ أَتْرُكُهُ يَتَحَدَّثُ مَعَ أَصْدِقائِي
..قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ أَسْأَلُهُ: أَلَمْ نَتَّفِقْ عَلَى الثَمَنِ؟
فَيَهُزُ رَأْسَهُ مُطَمْئِنَاً لِتَزْدَادَ أَخْشَابِي رُسُوْخاً.
يَحِلُّ مَحَلِّيَ فِي الْعَمَلِ دُوْنَ أَنْ يَلْحَظَ أَحَدٌ شَيْئاً..
يَتَعَجَّبُ مِنْ رَغْبَتِي فِي هَذَا الْجُزْءِ بِالذاتِ:
هَلْ هُوَ ضَرُوْرِيٌ؟
- إِنَّهُ الْعَقْدُ.
يَحْتَضِنُ حَبِيْبَتِي وَيُهَاتِفُهَا.. وَبِإِلْحاحٍ يَسْأَلُنِي:
قُلْ شَيْئاً عَنْ النِسْوَةِ الأُخْرَياتِ...
يَقُوْدُ سَيّارَتِي دُوْنَ أَنْ يَلْتَفِتَ كَثِيْراً،
يُنْصِتُ لأَصْواتِهِ الْمُتَنافِرَةِ وَهْيَ تَرُوْحُ وَتَأْتِي..
يَنامُ فِي سَرِيْرِيَ دُوْنَ أَنْ يَحْلُمَ..
وَيَتَحَدَّثُ بِصَوْتِي.
مَرَّةً قُلْتُ لَهُ أنَّ سُخْرِيَتَه الصاخِبَةُ هَذِه لا تُعْجِبُنِي:
لِتَتَوَقَفْ وَلْنَعُدْ لِلْمَشْهَدِ مُنْذُ بِدايَتِهِ.
وَكانَ يَرَى أَنَّ إِضافَاتَهُ الصَغِيْرَةَ يُحِبُها الْجَمِيْعُ..
.. هَزَزْتُ رَأْسِيَ لِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ.

الذي ينظر ويبتسم


ليسَ ضَرُوْرِيّاً لِمَنْ يَنْظُرَ وَيَبْتَسِمَ أَنْ يَكُوْنَ مِنْ الْعَارِفِيْنَ.
الابْتِسَامَةُ لَيْسَتْ تَأْكِيْداً لِتَحَقُقِ التَوَقُعِ دَائِماً.
الْعَيْنانِ الْمُحَايِدَتانِ تَمْلِكانِ تَعْبِيْراً مَقْلُوْباً يُرَى مِنَ الدَاخِلِ.
الذِيْ يَنْظُرُ إِلَى خِزانَةٍ، إِلَى حَقِيْبَةِ سَفَرٍ، إِلَى آنِيَةِ مَطْبَخٍ بارِدَةٍ، إِلَى صُوَرٍ قَدِيْمَةٍ أَوْ آتِيَةٍ
..إِلَى قاماتٍ تَمْشِي بِوُضُوْحٍ هُناكَ فِي مَغَاوِرِ الرَأْسِ: يَنْظُرُ وَيَبْتَسِمُ.
مُعْتَذِراً مِمَّنْ يَرْقُبُ الْمَشْهَدَ فِي خَفَاءٍ
دَاعِياً إِيَّاهُ أَنْ يُشارِكَهُ الْوَلِيْمَةَ، مُتَوَاطِئاً-مَرَّةً أُخْرَى– مَعَ الْقُمَاشِ وَالْمَعْدَنِ وَالْوَرَقِ وَالصَفَعَاتِ.

رُبَّمَا كانَ يَبْتَسِمُ لأَنَّهُ أَرادَ مِنَ الْمِرْآةِ التِي فِي جَوْفِهِ
أَنْ تُنْصِتَ وَتَبْكِي، أَنْ تَراهُ وَدُوْداً..سَائِلَ حَنانٍ فِضْيٍّ أَوْ لَمْعَةَ وَمِيْضٍ.
قَبْلَ أَنْ يُغْلِقَ الْحَقِيْبَةَ وَيُغْمَضَ عَيْنَيْه أَرادَهَا أَنْ تُمَسِّدَ عَلَى رَأْسِهِ، قَبْلَ أَنْ يَنْتِفَ الْوَرَقَةَ الْخَضْراءَ الصَغِيْرَةَ
مِنْ جَدِيْدٍ..(فاسِدَةٌ).
كَمْ مَرَّةً نَظَرَ وَكَمْ مَرَّةً ابْتَسَمَ؟
كَمْ مَرَّةً حَدَّقَ وَكَمْ نَأَى؟
كَمْ مَرَّةً اجْتَمَعَتِ الابْتِسَامَةُ مَعَ النَظَرِ سِوَى فِي لَحَظَاتٍ كَهَذِه وَهْوَ يَجْمَعُهُمَا مَعاً فِي مِرْآةٍ حَزِيْنَةٍ وَلا يُغَادِرُ.

قسمة



بَعْدَما نَخَزَهُ فِي ظَهْرِهِ كانَ الرَأْسُ الْمُتَدَحْرِجُ فِي مُتَناوَلِ صِغَارٍ
أَرادُوْا شَيَّه قَبْلَ أَنْ تَنْهَرَهُم الأُمُ الْحَكِيمَةُ التِي سَتَتَوَلَّى الأَمْرَ.
الْجَسَدُ الذِيْ هاجَمَهُ ضَبْعٌ وَحِيْدٌ اسْتَدَلَّ عَلَى رائِحَة الدَّمِ
تَناوَشَهُ كَثِيْرُونَ بِسَكاكِيْنِهِمُ الْمُبْتَسِمَةِ.
الضَبْعُ وَبَعْدَمَا تَبَرَّزَ عَلَى الْجَسَدِ لِيُبْعِدَ هَؤُلاءِ الْمَهَرَةَ الذِيْنَ واصَلُوا سَلْخَ الْجِلْدِ. غَمَسَ أَنْفَهُ فِي الدَّمِ..
قَبْلَ أَنْ يَتَعَفَفَ وَيَغِيْبَ.
هُمْ تَنازَعُوا الْفَخِذَيْنِ وَالذِراعَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَرِعُوا عَلَيْهِمَا،
الأَحْشاءُ وَهِيَ عادَةً خارِجَ الْقُرْعَةِ انْتَزَعَتْهَا أَصَابِعُ نَهِمَةٌ كانَتْ تَعْصِرُ الأَمْعَاءَ بِخِفَّةٍ وَتَطْوِيْهَا فِي لَفائِفَ رائِعَةٍ وَصَغِيْرَةٍ.
الْمُشاحَناتُ انْخَفَضَ مَنْسُوْبُهَا لِوُجُوْدِ عُضْوَيْنِ مُتَشابِهَيْنِ عَلَى الأَغْلَبِ.
ذَهَبَتِ الضُلُوْعُ وَالْفَقْرَاتُ وَالرِئَتَانِ وَالْكِلْيَتَانِ جُزْءَاً مِنْ عَمَلِيَّةِ قِسْمَةٍ دَقِيْقَةٍ وَسَرِيْعَةٍ لَمْ تُسَبِّبْ الْكَثِيْرَ مِنْ الْفَوْضَى.
عَدَا بُقْعَةِ الدَمِ الداكِنَةِ لَيْسَ لِلْقِسْمَةِ بَاقٍ أَوْ ذُعْرٌ أَوْ رَائِحَةٌ.

إن أردت



أَعْرِفُ ذَلِكَ الْمَكانَ جَيِّداً، وَسَآخُذُكَ إِلَيْهِ إِنْ أَرَدْتَ.
لَوْ تَسْأَلُنِي سَأَدُلُّكَ عَلَيْهِ كَفُنْدُقَ، إِنْ دَلَلْتُكَ لا بُدَّ وَأَنْ تَدْخُلَهُ،
إِنْ دَخَلْتَهُ لَنْ يُسْمَحَ لَكَ بِالْخُرُوجِ.

سَتَبِيْعُ الأَقْمِشَةَ هُناكَ إِنْ أَرَدْتَ
وَقَدْ تَسْنَحُ لَكَ الْفُرْصَةُ فِي جَناحٍ مَلَكِيٍّ لِيَوْمٍ وَاحِد،

أَمّا بَقِيَّةُ الأَيَّامِ فَسَيَتَقاسَمُ الْمَكانَ مَعَكَ: أُمَّهاتٌ وَأَطْفالٌ وَآباءُ وَإِخْوَةٌ.


حِيْنَ تَسْتَدِيْنُ مَبْلَغاً تَافِهاً لأَوَّلِ مَرَّةٍ
قَدْ لا تَكُوْنُ تِجارَتُكَ بَارَتْ تَماماً..
لِهَذا سَتَسْتَمِرُّ فِي الاسْتِدانَةِ وَنَقْرِ الضِياءِ الْقَلِيْلِ الْمُتَسَلِّلِ مِنْ عَيْنَيْكَ،

الصَّلاةِ وَالْكَذِبِ وَالشَكْوَى مِنْ رُطُوْبَةِ الْهَواءِ وَدَناءَةِ الأَشْجارِ.
سَتُصادِقُ آخَرِيْنَ يَتَأَفَفُوْنَ فِي أَوْراقَ يُخَبْئِوْنَها عَنْ الأَعْيُنِ
وَسَتَتَبادَلُ وَإِيَّاهُم مُناوَراتٍ لا يُمْكِنُ أَنْ تَنْتَهِي.
الذِيْنَ يَنْصِبُوْنَ الشِراكَ لِلطُيُوْرِ الدّاجِنَةِ سَيَسْتَمْتِعُوْنَ بِانْشِدَاهِكَ وَأَنْتَ تُراقِبُهُم،
فِيْما سَتَمْلِكُ قَدَمَاكَ مَهَارَاتٍ جَدِيْدَةٍ فِي الإِغْماضِ
وَسَبْرِ السُطُوْحِ الرَخْوَةِ لِلْغايَة
.

توضيح





حَتَّى لا تَرْتَسِمَ تِلْكَ الابْتِسامَةُ الصَغِيْرَةُ الساخِرَةُ عَلَى وَجْهِهِ..
لَمْ يَكُنْ يَنْظُرُ إِلَى مُحَدِّثِهِ،
السُخْرِيَةُ التِي يَتَحاشَى أَنْ تَمُدَّ سائِلَهَا الدَبِقَ وَالْكَثِيْفَ عَلَى الآخَرِيْنَ
لَمْ تَكُنْ تَطْرُقُ أَبْوابَهُم..
وَحِيْنَ سَيَبْتَعِدُوْنَ بِقَفْزَاتٍ سَرِيْعَةٍ وَقَدْ انْدَلَقَ عَلَى قُمَاشِهِمُ الأَبْيَضِ ذَلِكَ الْلِسانُ الْقَذِرُ للابْتِسامَةِ
لَنْ يَجْرِي وَرَاءَهُم، لَنْ تَتَبَدَّلَ هَيْئَتُهُ وَلَنْ يَقْوَى عَلَى أَنْ يَسْتَوْقِفَهُم
لِتَوْضِيْحِ خَلَلِ الْمَشْهَدِ الداخِلِيِّ الذِيْ تَنْفَلِتُ خُيُوْطُهُ أَحْيَاناً
بَعْدَما تَلْتَقِي العَيْنَانُ....
السّائِلُ الْمُرُّ وَالْكَرِيْهُ كانَ سُخْرِيَةً يُوَجِّهُهَا نَحْوَ ذَاتِهِ...
لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ يَقْوَى عَلَى التَوْضِيْح.

أطياف


يا أختاه

الجسد الذي تلتقطين السوس منه

بيد مدربة حقاً

لن يعتدل .

إنها أطيافك فحسب هذه التي ترين زاهية حولي .

أطيافك التي تنادين باسمي،

تأخذينها في ذراعيك،

تهاتفينها

وتتقبلين بفرح لايتوقع كل هداياها

أما الجسد الذي تلتقطين منه السوس

بيد مدربة حقاً

فإنه لن يعتدل.

صحبة




مَنْ هُوَ مَجْنُوْنٌ كَالْمَطَرِ
مَنْ لا يَتَذَكَرُ كَالْمِصْباحِ
مَنْ هُوَ فَسِيْحٌ كَالْبابِ.
قَرَابَةُ الأَشْجارِ هَؤلاءِ
لا أَسْأَمُ مِنْهُمْ
لا يَنْظُرُوْنَ وَلا يَتَحَدَّثُوْنَ.

أفكار قديمة



مُنْذُ طُفُوْلَتِكَ تُفَكِّرُ فِيْ الأَحْجَارِ،
بِمُصَادَفَةٍ تُنْجِبُ أَحْجَارُكَ أَحْجَاراً؛
أحْجارٌ تَرْعَى الأَحْجارَ وَتَسْقِيْهَا أَحْجاراً.
أَحْجارٌ مُتَخَلِّقَةٌ بِسَجايا نُبَلاءِ الأَحْجارِ:
تَزْهَدُ فِيْ الأَحْجارِ فَتُصْبِحُ رَمْلاً.
أَحْجارٌ تَنْظُرُ،
تَبْتَسِمُ
وَلِكَيْ تَخْدَعَ أَحْجاراً أُخْرَى لا تَتَكَلَّمُ.
الأحْجارُ الأُخْرَى تَتَّبِعُ نَفْسَ الْخُطَّةِ.
نُمْتَ مَعَ الأَحْجَارِ
وَبَنَيْتَ لَهَا أَعْشَاشاً.


أمتعة


سَتُرافِقُنِي بِالطَبْعِ
ألْ (70) كلغ ذَاتْ ألْ (30) سَنَةً
لا بُدَّ وَأَنْ أُعْنَى بِكُلِّ هَذِهِ الأَغْراضِ.
أُرَتِّبُهَا أَحْيَانَاً لَكِنَّنِي لا أَسْتَخْدِمُ إلا الْقَلِيْلَ مِنْهَا
مَاذَا تَفْعَلُ....؟
حَقِيْبَتُكَ سَتَحْتاجُ إلَى يَدٍ تَحْمِلُهَا
وَقَمِيْصُكَ لابُدَّ وَأَنْ يَمْلأَهُ صَدْرٌ
تَمْلؤهُ هُوَ الآخَرُ خِرَقٌ قَدِيْمَةٌ
أَمَّا بَقِيَّةُ الأَمْتِعَةِ فَهِيَ (الآخَرُوْنَ)
أَلَمْ تَلْحَظْ ذَلِكَ؟

كفاف




( 1 )


لا أُرِيْدُ أَنْ أَمْشِيَ
أُرِيْدُ أَنْ أَكُفَّ.
لَيْسَ كَمُتَفَرِّجٍ وَإِنَّمَا كَعابِرٍ أَيْضاً
أُرِيْدُ أَنْ أَخْتَفِيَ وَأَسْتَمِرَّ بِالشُعُوْرِ
وَالنَظَرِ
وَالْحَياةِ.


( 2 )


لَمْ تَصِلْ ابْتِساماتِيَ وَلا وَجِيْبِيَ
وَلَمْ أُعَدِّلْ مِنْ هَيْئَتِي
كَيْلا يَنْكَشِفَ الأَمْرُ.
لَيْسَ خَجَلاً
لَكِنَّهَا الرَّغْبَةُ فِي عَدِمِ بَقاءِ الآثارِ
لَسْتُ هُنَا أَصْلاً
وَلَيْسَ ثَمَّةَ هُناك.


( 3 )


لَمْ يَتَحَرَّشْ بِكَ أَحَدٌ
كُنْتَ الدُوْلابَ الْمُقْفَلَ
وَالآنِيَةَ الزائِدَةَ عَنِ الْحاجَةِ
ماذا تَكْتَشِفُ الآنَ ؟
لا أَحَدَ بِيَدِهِ الْمُفْتَاحُ،
أَنْتَ أَضَعْتَ السِلْسِلَةَ الأُوْلَى.
هَشَّمْتَ الآنِيَةَ بِلا كَلَلٍ
لَمْ تَحْتَطْ
أَسْقَيْتَ زُنُوْجَكَ دَمَكَ الْحَامِضَ وَتَسامَرْتَ وَإِياهُمْ.


( 4 )


فِيْمَ تَدُقُّ الإزْمِيْلَ؟
هَذَا الْمَلْمَسُ مُعْتَدِلٌ
وَالْوَجْهُ يُنَاسِبُكَ
ما أَنْجَزْتَ سِوَى التِمْثَالِ النَّاقِصِ
حِيْنَ كَشَطْتَ الْقِشْرَةَ
وَعَمِلْتَ بِمِبْرَدِكَ لأَيَّامٍ
فِيْمَ تَدُقُّ الإزْمِيْلَ
وَماذَا تَتَوَقَعُ؟

انطفاء شاشة الكترونية


يُشْبِهُ أَنْ تَنامَ وَتَتَأَخَرَ عَنْ الْعَمَلِ لِفَتْرَةٍ
طَوِيْلة.
اسْتِغْراقُكَ فِيْ فِكْرَةٍ.
ما يُشْبِهُ انْطِفاءَ شاشَةٍ إلِكْتْرُوْنِية لَمْ تَعْبَثْ بِها الرِياحُ.
ما يُشْبِهُ (م) بَعْدَ أَنْ تَمْحُو أَسْمَاءَهَا الأَلْفَ
التِيْ كَتَبْتَ.
ما يُشْبِهُ أَنْ يَخْتَفِي صَدِيْقُكَ فِي الزِحامِ وَأنْتَ فِي بَلَدٍ غَرِيْبٍ.
الْبَلَدُ الْغَرِيْبُ الذِي تُمَرِّرُ عَلَيْهِ يَدَكَ فَلا تَلْمَسْ مِنْهُ شَيْئاً
حَيْثُ صَدِيْقُكَ الْوَحِيْدُ لَمْ يَعُدْ وُجُوْدُهُ ضَرُوْرِيّاً.

تقليم


· سَيُحَدِّثُكَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ عَنْ بُكائِهِ أَمامَ
(super movies)
· فيسوافا شمبوريسكا: الشَيْخُوْخَةُ مُجَرَّدُ مَنْقَبَةٍ أَخْلاقِيَّةٍ مُقارَنَةً بِحَياةِ الْقاتِلِ.
· تُخَطِطُ لِكِتابَةِ قَصِيْدَةٍ جَدِيْدَةٍ عَنْ تَقْلِيْمِ أَظافِرِكَ:
الإنْصاتُ إلى طَقَّاتِ الْقَلامَةِ،
تَفَحُّصُ تارِيْخِ أَصَابِعِكَ، اللَمَساتُ الدَؤوْبَةُ لِصَوْتِ الْمِبْرَدِ
وَنِثارٌ أَضْأَلَ مِنْ أَنْ يَسْتَرْعِيَكَ
يُقِيْمُ لَهُ تارِيْخاً آخَرَ.

بعد هذا


بَعْدَما أَكَلْتِ مِنْ شَجَرَتِي وَشَرِبْتِ مِياهِي
بَعْدَ أَنْ تَذْهَبَ فِي الرَّائِحَةِ الْمُرَّةِ
بَعْدَ حَرَارَةِ يَدِكِ،
بَعْدَ اسْتِيْقاظِ امْرَأَةٍ نائِمَةٍ فِيْكَ
وَكانَتْ تَلْعَقُ عَصافِيْرَ صَباحِكَ قَبْلَ تَفَتُّحِها،
الآهَةُ بَعْدَ اسْتِرْخائِكَ،
الدَّمْعَةُ فِي خَيْطٍ يَلْتَحِمُ بِعَيْنَيْها...
الْعِرْفانُ
..أهَذا ما يَبْحَثُ لَيْلُكَ عَنْه؟
بَعْدَ هَذا
بَعْدَ ثِيابِي الْيابِسَةُ...
بَعْدَما أَكَلْتَ مِنْ شَجَرَتِي وَشَرِبْتَ مِياهِي.

في حالة كهذه


لا أَرْفَعُ رَأْسِيَ...
أَعْبَثُ بِمَسامِيْرِيَ وَأُؤَلِفُ كُثْباناً أَوْسَعَ،
لا يَنْكُتُنِي عُوْدُكِ وَأَصابِعُكِ سَتَنْثُرُنِي.
بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْفَيْنَةِ
سَأُحَدِّثُ نَفْسِيَ:
كُنْتِ الْمُوسِيْقَى التِي كُتْبَتْ لِي،
لَكِنَّ خُطاكِ الْهادِئةَ هُنا فَوْقِي لا أَتَوَقَعُها
لَيْسَ لَها فُجاءَةَ اللَذْعَةِ،

لا تَكْفِي مَوْتَى يُنْصِتُ واحِدُهُمْ لِطُيُوْرٍ تُنْشِبُ مَخالِبَها
فِي أَجْسادِ الْجِيْرانِ..

كُنْتِ تَأْخُذِيْنَنِي بِمِجْرَفَتِكِ،
تَنْكُتِيْنَنِي بِعُوْدِكِ
وَتُسَوِّيْنَنِي
تُسَوِّيْنَ تُرابِي بِتَمَهُلٍ
تَتَمَهَلِيْنَ
فَفِي صَفِّكِ يَقِفُ: الزَمَنُ، النَبْضُ، الْماءُ
الْماءُ الْمُسْتَيْقِظُ دَوْماً
كُنْتُ الْحَجَرَ الْغائِرَ فِي مَجْراه
وَخَرِيْراً ضالاًَ لا يَتْبَعَه.
قُلْتُ سَأُؤَلِفُ كِتاباً لَكِ
لكِنَّنِي وَجَدْتُ حِيْلَتِي زائفَةٌ
فَفِيْها اسْتِدْراجٌ لِلْكَلِماتِ.
..ظَلَلْتُ صَامِتاً
فَعَلى الأَقَلِ، فِي حالةٍ كَهَذِهِ
لَيْسَ هُناكَ كِتابٌ
هُناكَ صَمْتٌ يُمْكِنُ أنْ تَسْتَمِرْينَ طَوِيْلاً فِي تَرَقُبِه
سَأَصْمُتُ.
وَلْنَرَ مَنْ يَتَحَدَّثُ أَوْلاً.

هَلْ فِي اللُّعْبَةِ إِثارَةٌ كافِيَةٌ؟
..أَنا لا أَتَكَلَّمُ
أَعْبَثُ بِمَسامِيْرِيَ
وَأُؤَلِفُ كُثْباناً أَوْسَعَ.

في حالة كهذه-2


أَتَوَقَّفُ أَمامكِ بِحَذَرٍ، بِلَهْفَةٍ.
أَنْتِ لا تَعْرِفِيْنَ عَنِّي شَيْئاً، وَلَسْتُ أَعْرِفُ شَيْئاً عَنْكِ..
لِنَتَوَقَفْ هُنا قَبْلَ أَنْ تَحُطَّ أَصابِعِي عَلَيْكِ،
قَبْلَ أَنْ أَسْتَنِدَ بِيَدَيَّ
وَأَمْشِي.
لا تُنْصِتِيْنَ وَلا أَسْمَعُكِ،
تُحَدِّقِين فِيَّ بِجَسَدِكِ كُلِّه
وَلا تَنْفَتِحُ مِنِّي سِوَى نافِذَتَيْنِ ضَيِّقَتَيْن.
أَقُوْلُ لَكِ: سَئِمْتُ.
أَكْتُبُ السَأَمَ طَوِيْلاً وَفِي رَأْسِهِ شَمْسٌ.

لا تَبْتَسِمِيْنَ وَلا تَأْسِرُكِ دُعاباتِي.
سَأُحْضِرُ مِشْرَطاً رَهِيْفاً وَأَقْسِمُكِ إِلَى نِصْفَيْن.
سَأَلْمَسُ عَوْراتَكِ الداخِلِيَّةُ كُلَّهَا،
وَسَأَضَعُ لُفافَةَ قُماشٍ مَحِّلَّ قَلْبِكِ..
أَنْظُرُ فِي جَوْفِكِ
وَأَنْتِ تَسْتَمِرِّيْنَ فِي النَّظَرِ إِلَيَّ
بَرِيْئَةً وَناحِلَةً لا تَدْرِيْنَ عَنِّي.
أُلْحِمُكِ مَرَّةً أُخْرَى بِالصَمْغِ وَأَسْتَعِيْدُكِ وَرَقَةً كامِلَةً
أَمْحُو مِنْهَا ما كَتَبْتُ قَبْلَ أَنْ أَسْتَلْقِي عَلَى السَرِيْرِ.

دِرَاساتُكَ الطَوِيْلَةُ عَنِ الْكِتابِ الْمَقْلُوْبِ
الذِيْ يُشْبِهُ امْرَأَةً مَقْلُوْبَةً
سَتُثِيْرُ الضَحِكَ.
أَمَّا قِراءَتُكَ الْكاذِبَةُ لِكَفِّ حَبِيْبَتِكَ
فَقَدْ أَبْهَجَتْ قَلْباً وَحِيْداً..
اقْرَأْ كَفَّها الأُخْرَى إِنْ اسْتَطَعْتَ
وَقُلْ لَها بِوُضُوْحٍ أَنَّ هَذِه الْخُطُوْطُ الْمُتَعَرِّجَةُ
لَيْسَ لَها انْحِناءٌ كافٍ لِتَكْتَمِلَ الْجُمْلَةُ
وَأَنَّكَ كَذَبْتَ عَلَيْها
هَلْ تَسْتَطِيْعُ ذَلِكَ الآنَ..؟
وَقَدْ انْتَهَى كُلُّ شَيء.

الجزيرة-2003



لأَنَّنِي لَسْتُ وَاثِقاً مِمَّا يَلِي ذَلِكَ ظَلَلْتُ أُتَابِعُها بِاسْتِغْراقٍ
وَهِيَ تَفْتَحُ شَفَتَيْها الْمُحَدَدَتَيْنِ،
ما يَلِي ذَلِكَ لَسْتُ مُتَأَكِدَاً مِنْهُ فَالتَخْمِيْنُ لَيْسَ سَهْلاً..
رَغْمَ بَساطَةِ الْفِعْلِ:
انْفِتاحُ عَضَلَتَينِ مُلَوَّنَتَيْن..
لَكِنَّمَا لَيْسَتْ وَحْدَها الْفُقَّاعَةَ الطَفِيْفَةَ
التِيْ تَبْدُوْ عَلَى الشاشَةِ هِيَ النادِرَةُ..
الْحَماسُ وَالْحَيَوِيَّةُ اللَذانِ يَفِيْضانِ مِنْ الْوَجْهِ حِيْنَ تَنْفَتِحُ الشَفَتانِ،
الْعَيْنانِ الْمُتَوَثِّبَتانِ يُشْعِلُهُمَا تَوْقٌ وَحِيْدٌ كَمَا أَتَوَقَّعُ...
..الْمَشْهَدُ كُلُّهُ حِيْنَ يَنْقَضُّ عَلَى عَيْنَيَّ بِعُنْفٍ،
الشَفَتانِ اللَتانِ انْفَتَحَتا الآنَ عَنْ أَسْنانٍ لا تُخْفِي ابْتِسامَةً مُكْتَمِلَةً
تَكادُ أَنْ تُفْصِحا عَنْ آهَةٍ فادِحَةٍ وَلَعِيْنَة.
وَلأَنَّنِي لَسْتُ مُتَأَكِداً مِمَّا يُوْجَدُ أَسْفَلَ الطَاوِلَةِ التِي تُخْفِي الساقَيْنِ
سَتَأْتِي الشَياطِيْنُ بِمُداعَباتٍ دَاعِرَةٍ، بِدَغْدَغاتٍ آسِرَةٍ تَدْفَعُ بِالشَفَتَيْن إِلَى أَنْ تَنْفَتِحا دَوْماً
عَلَى تِلْكَ الصُّوْرَةِ...

وَلأَنَنِي لَسْتُ واثِقَاً مِمّا يَلِي ذَلِكَ
فَقَدْ ظَلَلْتُ أَرْقُبُ تِلْكَ الشَياطِيْنَ
إِلَى أَنْ تَغِيْبَ حِيْنَ يَجْلِسُ (جَمِيْل عَازَرْ) جَانِبِيّاً عَلَى الطاوِلَةِ
وَهُوَ يَتَخَلَّى عَنْ مَسْؤولِيَّةِ ماحَدَثَ.
يُدِيْرُ ظَهْرَهُ قَلِيْلاً لِنَعْتَرِفَ لَهُ بِِذَلِكَ
وَهْوَ يُكَرِّرُ بِازْدِرَاء: انْظُرُوْا...
وَبِالْفِعْلِ فَقَدْ لاحَظْنَا مَعَهُ
أَنَّ الشَياطِيْنَ التِي نُحِبُ اشْتِغَالاتَهُم فِي مُذِيْعاتِ (الْجَزِيْرَةِ)
لَيْسُوا مَوْجُوْدِيْن.



سَيَحْضُرُ كُهُوْلٌ عابِسُوْنَ يُدِيْرُونَ الْمَصارِفَ
وَهُمْ يَصْنَعُوْنَ تَماثِيْلَ مِنْ مَعادِنَ لامِعَةٍ وَعِظامِ فَتَياتٍ نَحِيْلاتٍ..
أَمّا (جَمِيْلُ) وَهْوَ يَقْذِفُ بِالأَخْبارِ السَيْئَةِ بَعْدَ أَنْ يَتَنَحَّى جَانِباً
فَلنْ يُهِمَّهُ أَنْ نَلْكُزَ بَعْضَنَا (أَنَا وَيُوْسُفَ)
وَنَحْنُ نَضْحَكُ عَلَى خَجَلِهِ حِيْنَ يَفْعَلُ كَهْلٌٌ مِثْلُهُ أَشْياءَ كَهَذِهِ...

إِنَّنا نُقَدِّرُ ذَلِكَ يا(جَمِيْلُ) وَنَتَفَهَمُهُ
لا عَلَيْكْ.

الاثنين، 11 أغسطس 2008

الطريقة



الجدران اللينة وهي تتصاعد في صفوف حول أرواحنا
بنيناها بملامسة أكفنا للطوب..
باستمرار وقوفنا الحاسر عن ساقيه النحيلتين..
بالأصوات الخشنة حين نطلقها
كلاب حراسة تحوم في دوائر حولنا
تلك الجدران اكتفينا بأن نمسد ظهرها ونحن نرفع أعناقنا قليلاً ونتبادل التحية

ولأن ثغاءها استمر يعلو أثناء ذلك..
تم التفاهم حول أمورٍ كالعمل والزواج والموت
بومضات خاطفة..
هزة رأس، رفع للكتفين أو إشارة باليد
تكفي للتقدم.
الطريق المغلق ما تفحصناه منذ أن كان ..
أولينا عنايتنا بالطريقة التي تتسع لنا
.

سقاية السأم




سقاية السأم ساعة الجلوس في الركن
مع نظرات حادة توبخ الانتظار.
نظرٌ يشي بالانهماك في متابعة جلبة لا مرئية
تتصاعد في هواء الشارع،
التكرار المنتظم لتمرين الجفنين،
تحريك الرقبة والساقين بالتناوب.

أشياء كثيرة تحدث أيها الجهل
وأنت تعود بشكل ذبابة تروح وتجيء

أشياء كثيرة لم تحدث.

سطوع



العشوائية ليست كلمة مزدحمة
حتى تأتي قصة الاختناق هذه في مقدمة الراقصين
بملابس مبتلة وساقين طويلتين.

هي الزجاجة تشف عن كوكبها الأسود الصقيل برعونة،
الزجاجة التي نشرب سوائلها النيئة
كطريقة للتنفس وبناء الأعشاب.

هي الخفية..
عرفها ظمؤنا وتجشأتها قلوبنا،
الخفية التي لا يوقظها صداع الرأس
..الرياح لم تفُض صررها المعقودة في الحاجبين
..خفية
كمنابت الفتور.
الجمرة المخبوءة أسفل الظهيرة،
الوسواس المقلوب على ظهره والذي اعتدل حين أتى أناس كثيرون بأعمار وهيئات شتى..
أولئك
وهم يأخذون اسمي بين أيديهم ككتاب من الركض والعناق
ويتابعون الساقين البارعتين لراقصة في المقدمة
فيما أتابع التنقل معهم في غرف غريبة
وأيام تندفع من فوهة صنبور..
هي ..هذه المياه الكسيحة وهي تُنْبِتُ الأعشابَ،
هذا الشَعر وهو يتساقط،
هذا الألم وهو يأتي من جدران سميكة شاحذاً الزجاج
ليهبه اللمعة والسطوع.


أعشاب كل أرض



الأعشاب التي نمت بعد المطر ليس خطؤها أنها كبرت،
ازدحمت بفجاجة،
نمت سوقها على بعضها البعض..
امتصت مياهاً سرية،
جمعت الحصى، حفرت، نقلت المياه والركاب،
قادت الشاحنات، باعت عظامها،
احتالت ولبست كما يلبس الناس، بنت، اكترت،
أرسلت أبناءها للمدارس..
هذه الأعشاب وكما هي الأعشاب بعد المطر ظلت على حالها ففي حسبانها كل أرض تنبت العشب بعد المطر.


المياه التي لا تبين


لم تكن كذلك:
الغيمات الملونة التي ظننا أنها بيِّنة وجوهنا
..لقد تجرعناها كما يبتلع الشجر ريقه
وامتلأت سرائرنا بأهداب مسننة ترتخي على عصافير خضراء..
كففنا أكمام ثيابنا ليبرز ريشها،
فعلنا ذلك سنوات..
وحتى لو أصبحنا لا نتحرك بخفة
ظلت المياه الغزيرة تغمر رؤوس أفكارنا وتفيض:
في الارتباك والخطوة والانفراجة.
..واضحٌ أنها صارت مالحة وبالكاد تطبق عليها أكفنا القصيرة،
أن حجارة صقيلة مثلومة لم تعد تفسح لنا الطريق.
الواضح أيضاً أننا لم نكنز المياه التي لا تبين عنوة
ولم تكتنزنا عيون.

السبت، 9 أغسطس 2008

عائدة



الراعية التي تسوق غنمها على مهل وهي عائدة قبيل المغرب
بقربة شبه فارغة وعصا وكل ما يلزم لزي راعية عام (73هـ) ..في المشهد الذي سارع لالتقاطه تجار صورٍ جائلون
لم يصلهم ضيق الراعية من رائحة ملابسها،
تأففها.. ألم قدميها المشققتين وجوع بطنها..
أو أنهم قاموا بحذف هذه العناصر.

الراعية وقد تجولت لفترات مكتملة الصورة
فوق صمد (بن عجلان)
والصميدات*
تجول أحياناً في أذهان بقية البدو قطعان خواطرها الهزيلة
وهي عائدة دائماً.

الصَّمْد : المكان المرتفع ، الصميدات تصغيره.. وهما أسماء قديمة لمواضع.

الأحد، 3 أغسطس 2008

دون أن يعلم أحد






أشياء كثيرة تسير دون أن يعلم أحد
كما كانت الأمور بالنسبة للطفل المنغولي وقد صار رجلاً
لم يتحدد عمره بالضبط وظل يدبر نفسه بدراجة يستعيرها وحشائش وابتسامات.
اللواتي يمشين على أيديهن وأرجلهن
دون أن يعلم أحد موضع سكناهن،
(فالح) وهو يكتشف الأرق دون أن يعلم أحد
أنه بعدما جاوز التسعين صار يمشي طيلة الليل..
السيارات التي تجوب الشوارع وتبتاع أغرضها بسرعة
لا ينتبه لها أحد،
الشجرة التي لا يعلم أحد جنسها ولا من أتى بها للمقبرة.
المخارج السرية التي تسلكها الفتيات لمواعيد لا يعلم عنها أحد،
العبارات النابية على الجدران ولم يعرف من كتبها بعناية هكذا..
الذين يمسكون بأطراف ثياب أمهاتهم وهم يمصون أعواد الحلوى وقد صاروا نموراً تقتنص خطاة آخر الليل وتفرغ جيوبهم..
أولئك الذين لا يعلمون كم كانت أمهاتهم جميلات وحائرات
في بدء زواجهن.










مسارَّة



- تحتفظ بسر..
..لم َ هذا الانشراخ، التهلل المفاجئ..
الشرخ الوردي الذي مد ذراعيه الوديعتين ليحتضنني
من أين أتت مائة عين دافئة انطبقت عليّ بود الآن..
حين وجهكَ يبسط نجومه وطفولته
وأنت تنتظر أن أضعك في جوفي البائس
حين تتحدر فيه أشكال عجائبية وأيام سقطت أسنانها..


انتظر
قبل
أن
تقفز..




هل تريدني أن أتحدث دون مقدمات ..
أتظن أنك جمعت ثياب روحي المهلهلة في راحتيك،
أنها ستكون جديدة بعد قليل
بعدما أتحدث..
كل شئ قيل.
قل لي أنت: ماذا ترى؟






حسابات أمي وأبي





أمي جنية وأبي راعٍ عاد مع المغيب ليشهد حيتين تصطرعان
كادت إحداهما أن تقتل الأخرى قبل أن يقتلها أبي بحجرٍ أخفى كافة المشاهد السريعة بمجرد سقوطه.
ولأنه في خلاء لم يدهش أبي حين أيقظه من نومه شيخ لم يُر شبيهاً له في قبائل الساحل..

كان الشيخ جنياً مسلماً وكانت الحية البيضاء ابنته.
أبي كان توقعه لباقي القصة سليماً فقد كانت الحية التي قتلها جارية أرادت الغدر بسيدتها.
ولأنه اعتاد المقايضات فقد فغر رأسه حين سأله القادم: كيف أجزيك صنيعك؟

وهو لم يفرك عينيه بعد قال كلمات قلائل كعادته.. أبي:
ليس عندي زوجة.. أريد ابنتك.
والشيخ بعد أن أسقط في يده اشترط ألا ينهرها الزوج مهما فعلت فهي ترى مالا يراه وتسمع مالا يسمع..
وهي ستخرج من ذمته لو نهرها للمرة الثالثة كما هو معلوم.

حين دخلت أمي بملابس عروس بدوية قبل أربعمائة عام لم يتغير شئ في حياة أبي سوى إضافة زوجة إلى البيت
استدعت عزلته عن قبيلته لتجنب الأسئلة.

لم يغضب أبي في السنوات الأربع التالية سوى ثلاث مرات آخرهن حينما نحرت جمله المفضل لضيوفٍ
فات عليه أنه لم يرهم.
عندها جاء الجد ثانية من مكان غير بعيد كي يأخذ ابنته وأبناءها
كان حكمه واضحاً: سنتوجه شرقاً وسنبتعد، أنت ستقف قرب عمود خيمتك هذه
سنقطع ثلث المسافة معاً ثم يعود لك أحد أبناءك
إن لم تلتفت ناحيتنا
في كل نظرة ترفعها نحونا ستفقد واحداً منهم
..ودَّعه الجد بحكمة أخيرة: الأمر كله في عينيك
قد يعود الثلاثة كلهم لك.. وقد يصبحون منا.


البقية أن لا إخوة لي
كنت ابن الجنية والراعي
الراعي الذي لم يلتفت ناحيتي
لم ينخزه قلبه ليرفع رأسه تجاهي وأنا أعود له من هناك
من الجهة التي دفع لها أخوي وهو يظن أنه يشدهم ناحيته.


لم يلتفت نحوي أبي
ولم أحتضنه بعد
وإن شارف كلانا على المغيب.
المغيب الذي جمع الجنية والراعي
وأخرج ابنهما من حساباته.

بقع


التي ظلت تنجب أطفالاً موتى لفترة طويلة.
ظل زوجها يذهب بلفافات الأرواح البيضاء إلى المسجد
ثم يدفنهم بالمقبرة ويتلقى التعازي
لفترة أقل.
منذ المرة الثالثة كانت التي ظلت تنجب أطفالاً موتى
تدفن أطفالها في ذات المكان الذي اغتسلتُ فيه طفلاً
لم يلحظ الأنين ولا البقع غير المنتظمة في (صبة) الحمام..
كما لم يلحظها المستأجرون الجدد بعد ذلك.

فم المريض



فم المريض الذي ملأته الدمامل وبنت عليه الفطريات،
الذي يفتحه الآن وهو يظن أنه أمام طبيب
فيما يقعد أمام رحالة يعرف أجناس الإبل..
هو (البوادي) مقعية على أربع أسفل شارع (الثمانين) ..

هو ذاته الفم الذي تصطف في حنكيه بيوت متوالية
يتوسطها لسان أسود ينـز منه الماء الآسن،

هو ذاته الفم الذي يضحك ويمتلئ بالحكايا والشعوذات
التي لن تصل لعابر انفتح أمامه، لبرهة، شق الباب الأزرق
فولجه
كما ولج مصريون بملابس مرحة ووجوه ملطخة بالإسمنت مرتين (منتصف السبعينات وبداية التسعينات)
ولجه أفغانٌ بأرجل مقطوعة وعمائم لشجيرات بيضاء مقلوبة وعبروه وهم يجسون الشوارع
قبل أن يتحول الأوزبك لتجارة السجاد وآخرون بموازاتهم تحولوا إسكافيين.
ولجه يمنيون بأصوات حادة ونسوة وأطفال
ثم عبروه جميعاً
قبل أن يعود الرجال منفردين لطلاء الجدران الحديثة.
ولجه أريتري واحد هو وأطفاله الذين غبطناهم حينما عبر أبوهم محمولاً في نعش وصاروا أول أيتام الحارة.
ولجه صوماليون سمعنا أصواتهم خلفه حين كانوا يسددون بنادقهم في لفائف نقدية تشارك في الاقتتال..
ولجه تشاديون لم يخرجوا إلا في أوقات الصلاة
فيما شغلت تجارة الصحن رؤوس نسوتهم بشغف
وتفرق أبناءهم بيننا وبين بطون السيارات.
ولج منجمون وسحرة يربطون الأزواج ويعيدون الأشياء المسروقة إلى أصحابها بأمانة.

ولج برماويون لم يصبحوا أبناء بلد لفارق التوقيت
وانطلقوا منه بمطارق ومقصات..

الباب
الباب الأزرق
عبره باكستانيون بلا اكتراث ومضوا
بوجوه متجهمة تعالج الحديد والكهرباء
بينما تعثر أبناءهم عراة قبل معاودة اللعب..
ولجه بنغاليون واجتمعوا خلفه
حول جهاز (استيريو) جديد..


الباب
الباب الأزرق الجاهز والمستعد كل لحظة
الذي كان يبيعه محل على شارع (الستين)
واشترى منه كل القاطنين أبوابهم
تكفينا هذه السنوات لنحكم على نزاهته..
على أنه خفيف حقاً ومصنوع بإحكام
أما فم المريض فلم يوجد له بعد ما يمكننا الوثوق فيه
كباب مناسب.

الأربعاء، 30 يوليو 2008

البوادي: المكان بوجه الماضي والآني معاً / د.عادل ضرغام



ربما يكون مقررا أن الشاعر المعاصر لم تعد تشده الموضوعات الكبرى , التي كانت تشد الشاعر في لحظات سابقة مثل الوطن والحب والوجود , وإنما أصبح الشاعر المعاصر ـ وشاعر قصيدة النثر علي وجه الخصوص ـ مرتبطا بالذات في تشظيها وانكسارها وآمالها وإحباطاتها,وفوق ذلك سنجد أن الشاعر المعاصر , لا يهتم بالذات في إطارها العام , وإنما يهتم بالجزئيات الخافتة , وكأن الاهتمام بهذه الجزئيات إعلاء لشأن الذات وإثبات لخصوصياتها وإدراكها المتميز , وهذا الإدراك المتميز هو الذي يصنع الفارق , ويجعل الشعور بالفن مختلفا من لحظة إلي آخري , فالشعرية ليست ساكنة , وإنما هي متحركة فهي تارة تسكن الموضوع والالتحام بالآخر , كما يمكن أن نجد لدي صلاح عبد الصبور , وتارة تسكن الهامش , بفجاجته , ولكن هذا الهامش حين يقدم شعريا , ومن وجهة نظر خاصة يصبح موضوعا شعريا بامتياز !....
والقارئ لديوان البوادي لعيد الخميسي , الذي ينطلق أساسا من الوعي الخاص بالمكان , ومن وجهة نظر لا يمكن الإمساك بها بسهولة , يدرك أن الديوان يحاول تشكيل عالم مندثر أو اندثر ,ولكن يعاد خلقه وتكوينه بهيئات مختلفة في كل مرة , فالتكوين أو الهدم لا يتم في الأماكن أو المباني , وإنما يتم من خلال البشر , واختلافهم من جنسية إلي جنسية , فكل جنسية لها سماتها الخاصة , ومن ثم تكوّن ـ في فترة ما ـ طبقة جيولوجية معينة , تخلق ذاكرة خاصة لها , والديوان ـ في إطار هذا التوجه ـ ليس إلا محاولة لبناء طبقات جيولوجية وثيقة الصلة بالمكان , وهذه الطبقة لها ذاكرة خاصة, والديوان يحاول استعادة هذه الطبقات وتثبيتها داخل المتلقي ,لكي يخلق روحا أو أفقا شعرية لهذا المكان , وكأن هذه الطبقات المتوالية علي المكان تؤثر في الآني وتحضر في القادم , يتجلي ذلك واضحا في قصيدة فم المريض :
هو ذاته الفم الذي يضحك ويمتلئ بالحكايا والشعوذات ...
التي لن تصل لعابر انفتح أمامه , لبرهة , شق الباب الأزرق
فولجه
كما ولج مصريون بملابس مرحة ووجوه ملطخة بالأسمنت مرتين
( منتصف السبعينات وبداية التسعينات)
ولجه أفغان بأرجل مقطوعة وعمائم لشجيرات بيضاء مقلوبة
وعبروه وهم يجسون الشوارع
المكان في النص الشعري , ليس مكانا أو حيا فقط , وإنما الذي يعطي هذه المكان وجهه الماضي والآني , هم البشر , الذي يصنعون للمكان ألقه وروحه ووجوده, ويقدمون له ذاكرة لصيقة بهم .
إن الحديث عن أفق الذات في الديوان يجب أن يكون حديثا ذا خصوصية , وذلك لأن الديوان ـ أو شعريته- اختطت من البداية أن تكون موضوعية حيادية قائمة علي الحكي والسرد والاستعادة,ومع ذلك فإن حضور الذات بشكل خاص يأتي واضحا في بعض القصائد , ففي قصيدة ( تخطيط ) :
في الرسم البدائي للبيوت
لا يمكنك أن تجمعها في إطلالة واحده :
أدوات العمل البالية هذه ,
الخطوات التي تبتعد ,
البيت ذو النافذة الخشبية والتي ما عادت تفتح.
..........الرسم البدائي للبيوت
لم يخف كثيرا
شخصية الفنان
نجد أن المتلقي لا يستطيع أن يصل إلي جمال هذه الطبقة من طبقات الحي بذاكرتها إلا إذا استعار عين المبدع , وأطل من خلالها , ومن خلال وجهة النظر التي تبدت فاعلة بشكل غير علني , وإنما تبدت من خلال التوقف عند بعض الجزئيات , التي يمكن أن يكون لها تأثير في محاولة اصطياد عبق غير واضح , فالرسم البدائي للبيوت لم يقض تماما علي شخصية الفنان. والبحث عن صوت الذات أو انحيازها غير الواضح في إطار هذا النسق الحيادي الموضوعي , يتطلب قراءة واعية للديوان بكامله , كما في قصيدة ( فم المريض ) , حين يصور النص الشعري الباب الأزرق , الذي أصبح علامة علي هذا الحي :
الباب الأزرق الجاهز والمستعد كل لحظة
الذي كان يبيعه محل علي شارع الستين
واشتري منه كل القاطنين أبوابهم
تكفينا هذه السنوات لنحكم علي نزاهته
علي أنه خفيف حقا ومصنوع بإحكام
أو يصور ذلك الترابط الحميم بين الإنسان والجدران في قصيدة ( الطريقة ) :
تلك الجدران
اكتفينا بأن نمسد ظهرها ونحن نرفع أعناقنا قليلا ونتبادل التحية
الخارج والداخل :
إن تشكيل حي البوادي في النص الشعري في هذا الديوان , من خلال تثبيته داخل وعي المتلقي تم من خلال نهجين مهمين , تم الاتكاء عليهما لتشكيل طبقاته الثلاث بمراحلها المخلفة , بداية من ( التكوين ) ,ومرورا بالإحساس بهذا التكوين ,وكأنه تجل أصبح ناجزا وجاهزا , وانتهاء بالمغايرة والاختلاف عن التكوين الأولي , فكل مرحلة من هذه المراحل شكلت طبقة خاصة بذاكرة خاصة .
أما النهج الأول , فالشاعر ـ من خلال سرد حيادي قائم علي الانتقاء ـ قدم صورة خارجية لهذا الحي , مرتبطة بأبنيته الشعبية والبدائية , وبأبوابه الزرقاء التي أصبحت ميزة كاشفة عنه , وتجلي ذلك في قصائد عديدة مثل ( أرض فضاء ) ,والعشب بأنواعه المختلفة كما في قصيدة ( غرفة بجدران بيضاء ) , أو الإشارة إلي التكوين البشري المتعدد في إطار التشابه والاختلاف من خلال العباءة , كما في قصيدة ( بلا عناء ) :
هذه العباءات التي لم تجتمع في مخيلة بائع
أو هفوة شارع مزدحم
ازدحمت هنا بلا عناء .
إن حركة المعني في النص الشعري السابق تأتي كاشفة عن طبيعة أصناف سكان الحي , وتوزع الأصناف إلي فئات عديدة , تختلف باختلاف العباءات , فهذا التوزع الكرنفالي يأتي ليكشف عن تعدد جنسي خاص , يشكل طبيعة هذا الحي , المشدود إلي التوحد والتفرد في آن .
وفي النهج الأخير نجد أن الشاعر في بعض القصائد يتوقف عند جزئيات ربما تكون كاشفة عن طبيعة هذا الحي من الداخل , مع الإلحاح علي أن الداخل والخارج لا ينفصلان , ولكن الفارق يكمن في وجود السارد الفعلي في النص وكونه مشاركا بالحضور الفاعل أو بالمراقبة الحيادية , ففي قصيدة ( حكاية قديمة ) , نجد أن السارد الراصد موجود ومشارك , ومع أن القصيدة تنتهج نسق التغييب, إلا أن المتلقي من خلال الوقوف عند بعض الجزئيات الموحية , يستطيع أن يلم بأطراف الحكاية , وتكون هذه الحكاية صورة خاصة للحي , وهذه القصيدة نموذج للشعرية التي تظهر بالرغم من محاولة التخفي أو التستر .
وهناك قصائد عديدة في إطار هذا المنحي الكاشف عن طبيعة البنية الداخلية لهذا الحي , مثل قصيدة ( بقع ) ,وهي قصيدة وإن كانت تكشف عن سلم تراتبي اجتماعي لسكان الحي , إلا أن أهميتها الكبرى ترتبط بفكرة الديوان الرئيسة المهمومة برصد ما لا يرصد أو تكديس ما لا يكدس , من خلال الاتكاء علي أن رصد الحاضر لا يمكن أن يتم إلا من خلال استحضار الماضي أو الوعي بالطبقة أو الذاكرة السابقة :
منذ المرة الثالثة التي ظلت تنجب أطفالا موتي
تدفن أطفالها في ذات المكان الذي اغتسلتُ فيه طفلا
لم يلحظ الأنين ولا البقع غير المنتظمة في صبة الحمام
كما لم يلحظها المستأجرون الجدد بعد ذلك
فالشاعر ـ في هذا النص الشعري ـ يؤكد علي أن المكان كإطار حاوٍ وجامع للبشر , يتأثر ويتغير سمته , بفعل البشر , فهذا الفعل المرتبط بدفن الأطفال في ( الطاقة ) وهي ظاهرة كانت موجودة في الريف قديما , وإن كانت تدل علي فعل تراتبي اجتماعي , موح إلي حد بعيد بقيمة المكان وطبقاته السابقة , التي تطل فاعلة في تشكيل واقعنا الآني .
السرد والحكي واستعادة الماضي :
عيد الخميسي من خلال ديوانه البوادي , استند إلي تقنيات عديدة , لكي يعيد تشكيل طبقات عديدة متوالية لهذا الحي , وهذه الطبقات في معرض دائم للتغير , فهذا الحي لا يظل علي وتيرة واحدة أو شكل ثابت .
وقد استند الشاعر إلي جزئية مهمة ترتبط بالبساطة , فالشاعر ـ علي سبيل المثال ـ لم يستخدم لغة شعرية استعارية بشكلها العلني المقرر مسبقا , وإنما استخدم لغة تنتهج البساطة سبيلا , وهذه اللغة تحتاج من المتلقي إلي إصغاء تام وإلي رصد يقترب من رصد عدسة الشاعر, حتي يدرك مواطن الجمال , وهذه البساطة اللغوية كان لها دور فاعل في إسدال نوع من الحميمية في رصد الأشياء , فالجمادات أو الأشياء المادية في هذا الديوان ليست جمادات أو أشياء مادية , وإنما ظهرت بوصفها كائنات حية لها حضور فاعل في تشكيل إحساس خاص بهذا الحي , بداية من أنواع النباتات أو الأعشاب , ومرورا بالأبواب والشبابيك وانتهاء بأسماء المواضع , فالمكان لا يمكن أن نأخذ صورة واضحة عنه إلا إذا أحسسنا بهذه الأشياء المادية دافقة في أركانه , وهذه الأشياء هي التي تعطيه سمته النهائي .
وارتباطا بهذه البساطة التي أشرنا إليها سابقا, سنجد أن شعرية الديوان تنتهج نسقا سرديا راصدا , واستخدام تقنيات السرد في إطار فن الشعر ليس شيئا سهلا ,كما يتصور البعض , فالشاعر الذي يعمد إلي ذلك مطالب أن يشعرك في كل لحظة بالشعر والنثر في آن , والشاعر الذي يستخدم آليات السرد في النص الشعري , وهي آليات لا تملك وجودا قائما بذاته , مطالب ـ أيضا ـ أن يكيف هذه الآليات حتي لا يشعر المتلقي بأن ما هو سردي قد أثر علي ما هو شعري , وحتي لا يكون هناك وقوع في قبضة الثنائية الفنية .
والديوان من بدايته إلي نهايته مملوء بالقصائد التي تشير إلي أن آليات السرد لها حضور واضح , مثل قصيدة ( أعمامي ونفر آخرون ) , و ( حكاية قديمة ) , و( وفم المريض ) , و( بقع ) , و( عائدة ) ..........
ولكن الشيء المهم في هذه القصائد ,يتمثل في أن آليات السرد المستخدمة في النص الشعري , لم تفض إلي ترهل بنائي يمكن الوقوف عنده , وإذا كان الشعر قد يستفيد من السرد التفصيلات المثيرة الحية , فإن الشاعر عيد الخميسي , قد عمد إلي اختيار اللقطة الكاشفة , بالإضافة إلي أن سرده لم يكن تتابعيا , ففي أغلب قصائده نجده يعتمد علي آليات تقطع خطية الزمن وتمدده المعهود , لأنه لا يهتم بخطية الزمن أو التمدد المعهود , وإنما ينصب اهتمامه الأساسي علي اختيار لقطة كاشفة تكون وثيقة الصلة بطبقة جيولوجية أو ذاكرة محددة لهذا الحي , ففي قصيدة ( راعية ) :
الراعية التي تسوق غنمها علي مهل وهي عائدة قبيل المغرب
بقربة شبه فارغة وعصا وكل ما يلزم لزى راعية عام 73 ه
في المشهد الذي سارع لالتقاطه تجار صور جائلون
لم يصلهم ضيق الراعية من رائحة ملابسها
تأففها ...ألم قدميها المشققتين وجوع بطنها
أو أنهم قاموا بحذف هذه العناصر
نجد أن المتلقي سوف يلاحظ للوهلة الأولي الإصرار علي تفصيلات حية , تأتي كاشفة عن طبيعة الصورة , وهناك تركيز علي تفاصيل بسيطة المقصود منها إكمال عناصر الصورة , ولكن المهم- في ذلك السياق ـ أن الشاعر لا يعتمد سردا تراتبيا , فهناك حالة من الارتداد والاستباق في آن , لتقديم عوالم مختلفة , فالراعية بلحظتها الآنية ليست منفصلة عن لحظات سابقة شكلت تأففها وألم قدميها وجوعها , وكذلك المصورون ـ بطبيعتهم ـ يختارون ما يناسبهم , فيحذفون ما يعكر صفاء النموذج أو جمال الأيقونة .
فاستخدام السرد في إطار النص الشعري , استخدام محسوب , مرتبط بقدرة الشاعر علي اختيار لقطة كاشفة , وارتباط هذا الاختيار بالتكثيف , حتي لا يكون هناك ترهل سردي,يقضي علي حرارة ما هو شعري ..
وإلحاح الشاعر ـ في هذا الديوان -علي استخدام لغة تتسم بالبساطة وآليات السرد , أثر بالضرورة علي الآليات الفنية , التي يقدم الشاعر من خلالها نصه الشعري , فليس هناك تعمد واضح لخرق نسق المواضعة اللغوية , ولا تقديم استعارات علنية , فالشعرية في هذا الديوان تعتمد علي التعبير البسيط الموحي , الذي يشكل ـ إن استحضره المتلقي ـ ميزة جمالية تقوم علي البساطة والتقرير بعيدا عن الجماليات المقررة والمؤسسة في شعريات كانت تمثل تجليات سابقة .

الاثنين، 28 يوليو 2008

تخطيط









في الرسم البدائي للبيوت
لا يمكنك أن تجمعها في إطلالة واحدة:
أدوات العمل البالية هذه ،
الخطوات التي تبتعد،
البيت ذو النافذة الخشبية الخضراء والتي ما عادت تفتح.
... الرسم البدائي للبيوت
لم يخف كثيراً
شخصية الفنان.

حكاية قديمة





حكاية السابعة مع (كريِّم) الذي رافقته بعد أن قفزنا
سور المدرسة لنصل إلى دكان بعيد ..
نشتري منه ( سندوتش بيض طويل) ونقتسمه كما قال...
هي حكاية قديمة،
وما حدث ليس من الضروري إكماله
لمن أحكي لهم القصة هناك.

السبت، 26 يوليو 2008

أعمامي ونفر آخرون




الأحاديث التي تنغل في الماضي كما تفعل ديدان في صخرة تحاول قلبها.
الأحاديث التي تنغل الماضي كما يصنع تراب في صخرة دحرجتها السيول..
السيول التي خلفت ربيعاً لا ينسى،
( البِلْدان ) التي ساقوا منها (الحبحب) بعد مئة يوم على ظهور الجمال أو الشاحنات،
المواضع التي سكنوها وتأتي دائماً بأسماء مجهولة..
الخارطة القديمة التي لم تعد مستعملة..

يدهنها أعمامي ونفر آخرون كل ليلة بألوان عميقة للحكايات التي تنتهي بسخريات وضحك وأهاجٍ ...
تلك الحكايات حينما لا تتحدث العربية تجئ من صحراء تشاد
لما يعود الأبناء والبنات أيام الجمع
أو على لسان شيخ صومالي وهو يتذوق الموز..

أيام الموز والخيرات التي كانت تقيم وراء البحر.. تجيء بالأقاليم البعيدة فتسيل من أنهارها المياه على أبواب المنازل،
تجلب الحلوى والأقمشة إلى دكاكين شارع (الثمانين) مع البنجاب والكشميريين...

والأحاديث عندما تنغل في الرأس
كما تفعل ديدان في صخرة...
تنبعث كبخار رقيق يغلف المنازل ويحيل ألوانها، يموه الشبابيك ويطفئ الأضواء لتمكث في خفوت،

تتسربُ على هيئة همهمات بخور إفريقي أو تتصرف كوصايا (حتيتة) تحتفظ بها عجوز في خزانتها....

في هذه الأحاديث كان دوري يتطلب ثرثرات العمل وأداء الألعاب الراهنة وهو ذات الدور الذي كان يؤديه آخرون كلٌ بلغته الأم

وبحرية لا محدودة في التصرف..
مما جعلنا لا نمد أيدينا إلى المائدة إلا حينما يحتاج أعمامي ونفر آخرون إلى مخمنين جيدين

للأحاديث التي تنغل في الماضي كما يصنع تراب في صخرة دحرجتها السيول..
وقد ظللنا جميعاً ملتزمين بالقاعدة...
نخمن خطأ لئلا نخذل ضحكهم.

بلاعناء


الملاءة الإفريقية الصفراء مع زخارف وبذور نباتات غريبة
تلفها (حواء) برشاقة على جسدها،
العباءة السوداء التي تضع أمي على رأسها،
العباءة السوداء بخط قصب عريض -على الظهر- والتي كانت أمي تضع واحدة منها على رأسها وبقية الجسد،
ملاءات الباكستانيات البيضاء تصل إلى منتصف الساق،
عباءات هذه الأيام..
خفيفة وبحزام خفي في المنتصف لإبراز الخصر وما وراءه،
النيجيريات يتحركن وحدهن دون ملاءات...
بقمصان فضفاضة تتوجهن ملكات وبأجساد تفي بالدور،
الصوماليات يتحركن بهفهفة عباءة كعباءة أمي - بلا قصب– وحيناً بعباءة هذه الأيام..


هذه العباءات التي لم تجتمع في مخيلة بائع
أو هفوة شارع مزدحم...
ازدحمت هنا بلا عناء.


غرفة بجدران بيضاء






وهي تنافس تأملات الساكنين وتحديقهم
تتحرك النباتات بضآلة هنا
مع مرافقين تضاعف أعدادهم المرايا،
المرايا التي تختزن أشياء قليلة..
وليس غريباً أن تفسح المجال للدواليب والأرفف والشخوص...


أما الذين تمنوا أن يصبح الكون غرفة مربعة بجدران بيضاء
فهم قليلون للغاية.
انتصرت الأزقة، المصابيح المكسورة، الحوائط المخرمة...
على زجر الآباء
وسباباتهم المهتزة في الغرف المربعة ذات الجدران البيضاء
و(الحوش) الذي يسمح بمشية بطيئة للقمر..
.. القمر الذي وجده أحدهم ناشباً في ( شكاعة )*
وظنناه يكذب..
صرنا نجده رثاً
وقد تلطخ سطحه بزيت السيارات
فنتضاحك ونحن نشير له محوقلين...
...أن لا أحد يمكنه تنظيف هذا الدرن كله.







*الشكاعة : نبات صحراوي شوكي

أرض فضاء


أرضٌ فضاءْ

الوجوم أمام ورقة مستطيلة في انتظار أن تمتليء بالقبائل والأجناس والأقاليم لم يأت بنتيجة مرْضية...
في الأمر مشقة ووضع يد على بقعةخالية،
إقامة حدود وشوارع حسب الهندسة السائدة للسبعينات،
ارتجال بيوت تتكاثر كما تتالى الأحاديث...
الوجوم الذي ترك مكانه للسيقان النحيلة نفخه أحدهم
فصار مراهقاً برأس عجوز وكفي أم .
المراهق تجادل بيديه مع آخرين حاولوا ثني الورقة ومحو الأسماء .
الأم استمرت في نفح المراهقين دعاءها وإضافاتها
والعجوز كان حاذقاً وهو يقترح غرفاً أخرى ليزوج الأبناء
كما كان حاذقاً قبلها وهو يسد النافذة الكبيرة
ويقسم الغرفة إلى غرفتين..


في الأمر ما يشبه البحث عن إبرة من علو شاهق.
الإبرة كانت تنسج الثياب الرحبة لمن أضجرهم اتساخ أيديهم وضيق منازلهم
وقد التقطها أشخاص يرون الأماكن الشاغرة
ويقايضون إشاراتهم بمبالغ زهيدة...
ولأن طائرة المسح الجوي في الستينات لم تكن تبحث عن الإبرة فإنها لم ترصد الخيط الناشب في نبتة صحراوية

حين كانت عشرات البيوت الآهلة تنتظم في خفوت
أما الإبرة فقد ملأ الصدأ عينها الوحيدة ولذا لم تُلاحظ.
لهذا كانت النتيجة المثبتة على الخرائط المعتمدة:
(أرض فضاء)

لعب


لَعِب

قضينا صباحات الخميس في بنائها
وصباحات السنوات التالية في تكرار ما حدث ببطء
لإعادة الألعاب ذاتها بصور شتى
دون أن نلمس الأخطاء الطفيفة
التي أدت إلى انهدامها مبكراً..
ملاعب الطفولة التي أصواتنا لم تعلق بها،
خطانا لم تنطبع ...
ولهذا لن يكتشف أحد ما حدث.